مدرسة مجانية في مخيمات الشمال السوري
المدرسة التي أعادت الأمل بالتعليم لأطفال المخيمات تصوير رزان السيد
بفرحة كبيرة تنطلق الطفلة رهام الأسمر (11 عاماً) إلى المدرسة التي بنيت مؤخراً في المخيم التي تقطنه مع عائلتها. رهام حرمتها الحرب من التعليم وهي اليوم تأمل بالتعويض عما فاتها من دراسة خلال سنوات النزوح. تقول رهام: “سأدرس وأجتهد وأحقق ما أحلم به”.
مدرسة أسسها مجموعة من النشطاء في وسط عدد من المخيمات في منطقة البرادقلي لاحتواء الطلاب النازحين، وأطلقوا عليها إسم مدرسة بلال كريم الذي قضى جراء تفجير سيارته فيما كان يعمل على توزيع الخبز على النازحين.
المدرسة مبنية بطريقة نصف خيمة، جدران من الطوب والإسمنت، وسقف من أغطية الخيام، مقسمة إلى 5 صفوف، يتسع الصف لنحو 45 طالب .بالاضافة الى غرفة الإدارة وهي نفسها استراحة المعلمين أثناء الفرص .وتحتوي المدرسة على حمامين، ومغاسل ولها باحة صغيرة نسبياً لكنها لا يمكن اعتبارها ملعباً للطلاب.
يتولى التعليم في المدرسة مدرسات متطوعات، هن مهجرات أصلاً ولكن كلهن يحملن شهادات وهن خريجات كلية التربية أو معاهد إعداد المعلمين. المدرسة مجانية بالكامل وهي تقدم للطالب الحقيبة والكتب والأقلام بشكل مجاني.
المشرف على المشروع يوسف شعبان (41 عاماً) يقول: “نحن عبارة عن فريق تطوعي نعمل بشكل فردي في المجال الإغاثي الإنساني، داخل منطقة البرادقلي التي تضم أكثر من 17 مخيماً. ولدينا عدد من النشاطات التعليمية كانت مقتصرة على تجهيز خيمة وترشيح أحد ساكني المخيم للتدريس بها وتأمين بعض القرطاسية ريثما تم تحقيق الحلم الأكبر بالنسبة لنا وهو المدرسة”.
ويضيف شعبان: “كثيراً ما كنا نتباحث بفكرة إنشاء مدرسة لاستيعاب الأعداد الكبيرة من أطفال النازحين القابعين في المخيمات من دون تعليم لسنوات طويلة. فكّرنا في البداية بإنشاء مدرسة بإمكانيات محدودة ريثما يتم توسيعها ودعمها كون المنظمات الدولية يستحيل أن تدعم مشروعاً غير قائم على أرض الواقع بعد”.
ويتابع شعبان: “وقع تفجير سيارة الخبز بتاريخ 27 تموز/يوليو 2019، ما أدى إلى إصابة الناشط الإعلامي بلال كريم المعروف بإسم عمر الدمشقي، نقل على إثرها إلى أحد المشافي التركية للعلاج. وفي تلك الأثناء بادر عدد من الناشطين إلى جمع مبلغ مالي وهو عبارة عن مليوني ونصف المليون ليرة سورية لمساعدة بلال على العلاج، غير أنه استشهد بعد أيام متأثراً بجراحه”.
ويوضح شعبان: “رفض الناشطون استرداد المبلغ الذي كان قد تم جمعه، فلمعت فكرة إنشاء المدرسة وتسميتها باسمه تخليداً لذكراه وهو الذي كان من أشد المؤيدين لفكرة إنشاء مدرسة لأبناء المخيمات”.
تم إختيار بقعة أرض تتوسط مخيمات البرادقلي وأقيمت عليها المدرسة، التي لم يستغرق إنشاؤها أكثر من شهرين بمساعدة داعمين من سوريا وتركيا ولبنان، ومعظم أعمال البناء والطلاء كانت بجهود تطوعية.
افتتحت المدرسة مطلع أيلول/سبتمبر الحالي وهي تستوعب 450 طالباً وطالبة، بدوامين صباحي ومسائي كل لمستويات الأول والثاني والثالث فقط، والسبب وفق مابينه الشعبان هو أنه لا يوجد بين الأطفال المتواجدون في المدرسة من وصل مستواه التعليمي لأكثر من ذلك.
ويقول شعبان: “10 بالمئة فقط من الطلاب الذين استقبلناهم يعرفون بعض القراءة والكتابة، ماعدا ذلك لا يجيدون حتى كتابة أسمائهم للأسف. ولذلك تم وضع من لديهم بعض المعرفة بالصفوف الثاني والثالث، وماعدا ذلك هم أميون بشكل كامل وتم وضعهم في الصف الأول رغم أن أعمار بعضهم تصل إلى ١٢ عاماً وهؤلاء لم يعرفوا المدرسة سابقاً “.
أبو علي (45 عاماً) وهو أحد النازحين القاطنين بمخيمات البرادقلي ووالد أحد الطلاب المستفيدين من المدرسة لا يخفي فرحته بدخول ابنه عصام (10 أعوام) المدرسة لأول مرة في حياته.
يقول أبو علي: “أكثر ما كان يؤلمني ويحز في نفسي بعد نزوحنا من ريف حماه الشمالي إلى هذه المناطق منذ أكثر من خمس سنوات، هو كيف سيتعلم أبنائي فلا وجود لمدارس هنا، ولا إمكانية لدي للانتقال إلى مكان آخر حيث تتواجد المدارس لكون إيجارات المنازل مرتفعة هناك. لكن إنشاء هذه المدرسة هنا من شأنه أن ينقذ أطفالنا من الأمية والجهل كحد أدنى”.
وإذ يشكر أبو علي القائمين على المشروع فإنه يشدد على ضرورة إنشاء المزيد من تلك المدارس لتستوعب جميع أعداد الأطفال في المخيمات ليتسنى لهم الحصول على فرصة التعليم.
وفي تقرير صادر عن منظمة رعاية الطفولة اليونيسيف نشرته بتاريخ آذار/مارس 2019 فإن أكثر من مليوني طفل، أي ثلث الأطفال السوريين هم خارج المدرسة ويوجد 1,3 مليون طفل معرضون لخطر التسرب.
لمياء عمران (35 عاماً) نازحة مقيمة في مخيمات البرادقلي تتحدث عن أهمية المدرسة وتقول: “من الممكن لنا نحن الأهالي أن نحتمل كل الظروف الصعبة هنا، ولكن ما يصعب احتماله هو أن نرى أبناءنا بلا تعليم وبلا مدارس. إنه أمر عظيم أن يتم إنشاء مدارس لتعليم الأطفال من قبل هؤلاء الناشطين، فالتعليم هو أبسط حقوق الأطفال التي حرموا منها بسبب الحرب والنزوح والتهجير”.
وتلفت عمران إلى أن أجيالاً كاملة باتت مهددة بالجهل القسري دون أدنى مسؤولية من المنظمات الدولية والعالمية.
سجل المجتمع التربوي في إدلب المدرسة الجديدة في قوائمه، وتعاون مع الناشطين لاعتماد المناهج الدراسية الأساسية.
عضو المجلس المحلي علاء فليّح (٢٧عاماً) يشدد على أهمية التعليم وخاصة لأطفال المخيمات الذين يعيشون حياة قاسية ويفتقرون للحياة الدراسية رغم أهميتها الكبيرة بحياة جميع الأطفال.
ويقول الفليّح: “التعليم ينقذ الإنسان من براثن الجهل والفقر. ويساهم بغرس المبادئ والقيم في نفسه وتجعله متأهباً لمواجهة أحلامه وتحقيق النجاح. إضافة لأهمية التعليم بتعريف الأفراد بما يترتب عليهم من واجبات وما لهم من حقوق”.
ويدعو الفليّح المنظمات الدولية والمحلية لتولي التعليم المزيد من الأهمية في محاولة لإنقاذ هؤلاء الأطفال من مستقبل مجهول يسوده الجهل والانحراف وعمالة الأطفال.
لم تكتف مجموعة أصدقاء بلال بإنشاء تلك المدرسة، وانما يسعون جاهدين عبر امكانياتهم الذاتية وعبر استقطاب المزيد من الدعم، لتأسيس مدارس أخرى جديدة، في محاولة لاستيعاب كافة أعداد أطفال المخيمات الذين سلبتهم الحرب كافة حقوقهم على مرأى العالم أجمع.