آلة محلية لتصنيع البيرين في إدلب
آلة صناعة البيرين وتبدو القوالب خلفها تصوير أسعد الأسعد
يملأ صوت هدير قوي أرجاء معصرة الزيتون عند أطراف قرية كفرجالس، رغم انتهاء موسم عصر الزيتون. الصوت مصدره جرار وقد عُلّقت خلفهُ آلة غريبة الشكل، وخلف الآلة ثلاثة أشخاص يعملون على حمل قوالب متناسقة الحجم تُخرجها تلك الآلة. وخلف الآلة ساحة قد مُلئت بتلك القوالب.
عبیدة كردي أو أبو حسن، رجل في الستين من عمره وهو مالك المعصرة هو مخترع تلك الآلة الغريبة، التي تعالج “البيرين”، وهي بقايا حبات الزيتون التي يُستخرج منها الزيت. تعمل الآلة على تحويل “البيرين” الذي شاعَ استخدامه كحطب للتدفئة لدى الأهالي في الشمال المحرر الى قوالب بأشكال متساوية. يقوم بذلك عبر آلة قام بتصنيعها بنفسه من خلال أدوات توجد في معصرته.
تلك الآلة التي قام أبو حسن بتصنيعها بواسطة أدوات موجودة أصلاً في معصرته سهّلت عليه وعلى عماله العمل. خصوصاً أن ضغط البيرين وتحويله لقوالب متساوية بطريقة يدوية له خطورة كبيرة بسبب تقطيع البيرين بالسكاكين والأدوات الحادة.
وعن كیفیة صناعة الآلة يقول أبو حسن: “بعد انتهائنا من موسم عصر الزیتون نقوم بتصنیع البیرین، كنا نقوم بضغطه یدویاً وبتقطیعه بالسكاكین وذلك له مخاطر كبیرة على الذین یعملون به، فقمت بتصنیع آلة لضغطهِ عن طریق الهواء، فوضعت منفاخاً قدیماً یوجد في مزرعتي على مولد الحركة الخاص بالجرار الزراعي. كما قمت بإضافة قطّاعة تعمل بشكل آلي”.
ويضيف أبو حسن: “لمْ أتكلف أي شيء على تلك الآلة. فالمعدات المستخدمة جمیعها أملكها في مزرعتي وتوجد في كلّ مزرعة و عند كل مزارع”.
سبق لعبيدة كردي أن فقد ثلاثة أصابع من يده اليمنى في تقطيع قوالب البيرين بالطريقة اليدوية، وذلك السبب الرئيسي الذي دفعه إلى تصنيع تلك الآلة التي تعمل بواسطة الجرار الزراعي وتقوم بتقطيع القوالب عبر ضغط الهواء وتيار كهربائي يمكن توليده من بطارية”.
وعن حادثة فقدانه لأصابع يده يقول أبو حسن: “كنت وعمالي نضغط البيرين بقوالب يدوياً ونقوم بتقطيع القوالب بواسطة أدوات حادة كالفأس، والسكاكين الكبيرة. ونتيجة خطأ أحد العمال بضرب القالب ويدي كانت تحته فقدت ثلاثة أصابع من يدي اليمنى. و كانت تلك الحادثة هي سبب تفكيري بتخفيف خطر ذاك العمل الذي يمكن أن يكون أخطر على أجسام العمال وأرواحهم”.
ورَّث أبو حسن مهنته لإبنه الأوسط ويدعى وسيم، وهو الذي اختار العمل مع والده في مهنة البيرين وعصر الزيتون. وسيم هو الذي يدير أمور المعصرة ويعمل مع العمال في تصنيع البيرين.
وعن عمله الذي ورثه عن أبيه يقول وسيم كردي: “بدأت تعلم هذه المهنة منذ صغري وتحديداً في سن الثانية عشر. كنت أساعد أبي بأشياء صغيرة كمحاسبة الزبائن. وعندما أصبحت بعمر الثامنة عشر قام أبي بتسليمي كافة الأعمال من إدارة المعصرة وإدارة مكبس البيرين”.
ويضيف وسيم: “أساعد العمال بصناعة البيرين في الآلة التي صنعها أبي. لكن ذلك لا يمنع والدي من الإشراف العام على العمل فهو إلى الآن يُمضي كامل وقته مع العمال وفي المعصرة وبجانب آلة تصنيع البيرين”.
ينتج أبو حسن نوعيةً من البيرين تعتبر من النوع الممتاز حسب آراء بعض زبائنهِ الذين يقومون بشراء البيرين منه.
باسل خورشيد أحد أهالي مدينة بنش، وهو أحد زبائن أبو حسن يقول: “أقوم بشراء البيرين من أبو حسن لعدة أسباب أهمها هو أن بضاعة أبو حسن خالية من أي شوائب. بيرين صافي لا يوجد بداخله رمل أو حجارة صغيرة. والسبب الثاني أن أحجام وأشكال قوالب البيرين لديه متناسقة ويسهل تعبئتها ونقلها. وتترك لك حرية وضعها في المدفأة في فصل الشتاء”.
خورشيد يقوم باستخدام البيرين كوقود للتدفئة منذ 3 سنوات وذلك بسبب ارتفاع سعر الديزل الذي يبلغ سعر البرميل الواحد منه حوالي 55 ألف ليرة سورية. وعائلته تحتاج الى 3 براميل خلال الشتاء. أما مع البيرين فيكفيه طن ونصف الطن للشتاء كله، وهو ما كلفته 60 ألف ليرة سورية. وبذلك يحقق وفراً كبيراً.
ابو حسن بتصنيعه لتلك الآلة استطاع تخفيف الخطر عن عُماله الذين كان من الممكن أن يلاقوا ذات الأضرار الجسدية التي لحقت به، كما استطاع إعطاء شكل هندسي مقبول لقوالب البيرين، تسهل طريقة تعبئتها ونقلها كما أنها بسعر مقبول جداً.