مرارة الأيام السورية
4. تخزين المياه في خزانات بلاستيكية بسب انعدام وجود المياه وصعوبة الحصول عليها الا بمبالغ باهضه ونظرة امل نحو غد أفضل
عانيت معه الكثير، من الفقر والحرمان والظلم. لم تحمل أيامي معه سوى العذاب، وكثيراً من الترحال، فمن قرية زوجي إلى الشام إلى حلب إلى دير الزور إلى الرقة. لا أدري إن كنت نسيت محطة من المحطات. تراءت أمام عيني تلك الأيام الماضية، وكأن سنوات وجودي على قيد الحياة انطوت بلحظات، وراحت ذاكرتي تجول في أيام عمري الطويل.
منذ الصغر، أرى ظلم الحياة لي، لم أكن من الأوائل في المدرسة، ولكن ربما لو أكملت دراستي لأصبحت مدرّسة أو حتى خريجة معهد. ولكن في الصف السابع حرموني من المدرسة لأني كبرت بشكلي لا بعقلي. ارتديت الحجاب، وأصبح صعباً علي إكمال دراستي.
لم اكترث كثيراً بما جرى، بل فرحت لكوني أصبحت كبيرة، سأتزوج، ومن مسؤولياتي تنظيف المنزل والغسل والطهي وهلم جراً. كنت في الـ 18 من عمري حين تقدم إبن صديق أبي لخطبتي، وكان نصيبي.
أنجبت أربعة أطفال، ليكون أكبرهم ضحية صاروخ ألقته طائرة على طريق حلب، قضى مع 3 من أبناء عمومته وكان عمه الناجي الوحيد من بين الخمسة الذين كانوا في السيارة. وقع الخبر علي كان كالصاعقة أدت بي إلى الانهيار.
أوقات عصيبة مرت علي عند فقدي لأبني، كان في الـ 15 من عمره. أباه كان يظلمه المرة تلو المرة، ظلم زوجي لولده أدخله بحالات نفسية أشبه بالاكتئاب.
مرت السنة الأولى علي بحزن كان يطرد حتى الإبتسامة. ثم تسارعت الاحداث، كثرت خلافاتي مع زوجي حيناً ومع أهله أحياناً أخرى. وبعد بضعة أشهر أمضيتها في القرية، انتقلت مع زوجي إلى إدلب، ازدادت مشاكلي مع زوجي، الذي لم أكن أذكر منه سوى الظلم والألم والحرمان.
صاعقة ثانية أصابتني، وأقضت مضجعي، زوجي تزوج من امرأة أخرى. ربما هي من كان سبب إصابتي بجلطة. أسعفوني إلى المشفى. وبعد عدة أيام عادت إلي حياتي، التي كنت أدعو عليها بالانتهاء، واللحاق بطفلي الذي حرق أحشائي حزناً وألماً.
وبدأت معاناة جديدة، لم أكن أغار على زوجي، الذي ملأ حياتي تعاسة وفقراً، ولكن كنت نادمة على تلك الأيام، التي قضيتها برفقة رجل، لا يستحق مني سوى الرفض. وأكثر ما كان يمزق أفكاري، تلك المعاملة التي حظيت بها زوجته الجديدة، وانا التي كنت احلم بنثرات منها، خلال مسيرة عشرين عاما معه.
كان أكثر ما يخنقني أن ما حرمت منه أصبح مباحا لها، لماذا؟ لأنها فقط تملك مالاً؟ هذا ما راود تفكيري، وما لمسته بيدي.
ازدادت المشاكل، وكبر حلمي بالإنفصال عنه، بعد تلك السنوات من الصبر والقهر، وطلبت الطلاق. وكان لي ما أردت، ظنًّا منّي أننى أستطيع العيش من دونه، ولكن الذي جرى هو انني حكمت على نفسي بالضياع أكثر.
لم اكن لأستطيع العيش مع طفليّ من دون معيل. ولم يكن لدي ما يسد رمقنا، ولم يكن حال أهلي بأحسن من حالي. وتأرجحت بذهني تلك المصائب، محاولة إفقادي لصوابي. وأخذت ادور على مبرر يعيدني الى كنف زوجي، لا حبا فيه ولكن طمعاً بالأمان المادي لي ولأسرتي من التشرد، والحاجة. ومع مرور الأيام، كانت تضيق فسحة الامل، وتزداد تعقيدا.
حرمني من أطفالي، وعدت وحيدة أقاسم أهلي مرارة العيش، وأصبحنا ثلاثة أرامل، في بيت لا يتسع الا لأحزاننا، ضاقت بي الدنيا، وضاقت نفسي حتى انفجرت، وأخذت قرار العودتي إلى الحياة الزوجية، مع شخص آخر، عله يبدد ذلك الظلم عني.
ولكن يا ترى من يتزوج امرأة بعمر الأربعين! نعم هناك من اتزوجه، مهاجر يقبل بكل من يقبل به، لم يمض كثير من الزمان، حتى تزوجت من رجل أزبيكي، لا يجيد العربية، ووجدت عنده من الحنان، ما لم اجده عند من كنت اكلمه بملء قلبي عن الحب والسعادة. وجدت في نظراته ولهفته، ما لم أحلم به من زوجي الأول.
كنت أعلم ان السعادة عدوة لي، كنت أنظر إلى أيامي هذه، وأخاف ان تهرب مني فعلا، حتى آن لها الهروب. جرت محاولات كثيرة لاغتيال أولئك المهاجرين، فبدأوا بالانسحاب من حياتنا واحداً تلو الآخر. وزوجي الثاني في لحظة كان معي وفي الأخرى عاد إلى وطنه، وتركني لمصيري الذي لم اعهد منه إلّا الظلم والحرمان.
ترى أنا هنا اليوم، وغدا ماذا سيجري، ليت الأيام تنبئني بما سيأتي، او ربما ليتني أعلم موعد أجلي. لن أكون إلّا كما يجب ان يكون من آمن بالله، وعلم أنها دنيا بلاء. سأبحث من جديد، عن أمل يعيد إليّ رمقاً اقتات به ما تبقى لي من حياة.
يمامة أسعد (40 عاماً) متزوجة وأم لـ 3 أبناء تعيش مع زوجها في إدلب تدرس وتعمل في مجال الصحافة.