أغذية منتهية الصلاحية تغزو الأسواق السورية
كاد الطفل أمجد العكل (9 أعوام) أن يفقد حياته لولا الإسراع في اسعافه. وكان أمجد قد تعرّض لحالة تسمم حادة على خلفية تناوله علبة عصير منتهية الصلاحية، اشتراها من أحد المتاجر القريبة من مدرسته.
تقع مسؤولية المنطقة على عاتق جهات عسكرية تفتقد الخبرة في مجال الإدارة المدنية. هذا الواقع استغله تجار الحروب والأزمات والمنتفعين، وراحوا يستوردون للمنطقة مواد غذائية منتهية الصلاحية دون أي مراعاة للظروف المعيشية والاجتماعية والمادية المتردية للمواطنين، وكل ذلك وسط تجاهل المعنيين للمشكلة.
تروي والدة أمجد الأربعينية ما جرى مع ابنها وتقول لحكايات سوريا: “بعيد عودة أمجد من المدرسة بدأ بالتقيؤ، ارتفعت حرارته وأصيب بالألم والتقلصات في المعدة والإسهال. عندها شعرت بخطورة الأمر وخاصة حين سألته عما إذا كان قد تناول شيئا ما في المدرسة وأجابني بعلبة عصير، راودني شعور حينها بأنها السبب”.
هرعت الأم بابنها الى أقرب مشفى حيث تم إجراء الإسعافات اللازمة له. والدة امجد تحمد الله على سلامته وتجاوزه المحنة، غير أنها لا تنسى أن توجه رسالة شديدة اللهجة لكل المعنيين في مدينة كفرنبل تطالبهم فيها بالعمل على ضبط الأغذية الفاسدة، ومحاسبة بائعيها.
وتشدد والدة أمجد على “أهمية هذه القضية لإنقاذ حياة الأطفال الذين هم الضحية الأكبر لكل ما يحدث”.
من جهته يعترف عفيف العمور (50 عاما) عضو اللجنة التحضيرية لتشكيل المجلس المحلي في كفرنبل بعدم وجود لجنة لمراقبة الأسواق وضبط المخالفات، ويرجع السبب لأنه لا وجود لقوة تنفيذية للمجلس تخوله الخوض في هذه التجربة.
ولكن العمور يعد بتحسين الوضع قائلاً: “لقد تم انهاء عمل المجلس الحالي ونحن بصدد انتخاب أعضاء مجلس محلي جديد، ومن المقرر أن يرفق المجلس بقوة تنفيذية، وسيتم تشكيل لجنة مختصة لهذه الغاية”. ويوجه العمور بهذا الصدد دعوة للتعاون مع المجلس من قبل أهالي المنطقة ومنظماتها وإعلامييها، لكي يتم الوصول للمستوى المطلوب ليس على صعيد لجنة مراقبة الأسواق فقط وإنما في جميع المجالات.
تفتقر المناطق المحررة الى اي جهة محلية تعمل على مراقبة المواد الغذائية في الأسواق، وتشرف على تخزينها وتحاسب المخالفين وسط الفوضى التي خلفتها الحرب. فالمجلس المحلي في كفرنبل ليس الوحيد في الشمال السوري الذي لا يملك سلطة تنفيذية تخوله اتخاذ مثل هذا الإجراء. بل معظم المجالس المحلية المتواجدة تخلو من هذه اللجان.
رئيس المجلس المحلي لمدينة خان شيخون محمد صالح معراتي (30 عاماً) يقول: “صحيح ان اللجنة ليست موجودة حتى اليوم، ولكن فكرة انشائها قائمة، كما ان هنالك عمل بسيط بهذا المجال كاستقبال الشكاوى وإحالتها للمحاكم واللجان الأمنية في المنطقة”.
لا تستطيع الأرملة أم عمر (39 عاماً) ان تنسى ذلك اليوم حين اصيبت بتسمم حاد مع أبنائها. كانوا قد تناولوا لحم دجاج مجلّد، اشترته أم عمر من أحد الباعة لتستمتع بحفلة شواء مع ابنائها في أحد كروم القرية.
تقول أم عمر: “لجأت لشراء اللحم المجلّد لرخص ثمنه قياسا بثمن اللحوم الطازجة التي لا إمكانية مادية لدي لشرائها، ولكنني لم أكن أتوقع أنها فاسدة”. تصمت للحظات لتضيف بعدها بحزن: “لم أكن أدري أن حياتنا باتت رخيصة لهذه الدرجة، فقد أصبحت لا أثق بأي شيء أشتريه. هذه المرة تداركنا أنفسنا بإجراء غسيل معدة في المشفى، ربما لا نسلم في المرة القادمة”.
منذ تلك الحادثة وام عمر تتجنب شراء كل ما هو مجمد أو معلب أو أي مواد غذائية غير طازجة، وهي تضع اللوم على المجالس المحلية بالدرجة الأولى، كونها المعنية الوحيدة زمن الحرب بمتابعة الأمور التموينية والغذائية بعد غياب مؤسسات الدولة على حد قولها.
من جهة أخرى وكتجربة هي الأولى شكل المجلس المحلي لمدينة أرمناز التابعة لريف إدلب الغربي لجنة لحماية المستهلك، مهمتها ضبط الأسعار وفرض الرقابة على المواد الغذائية المنتهية الصلاحية في البلدة. هذه اللجنة بدأت عملها بتاريخ 21 آب/ أغسطس 2017، وسط ترحيب من الأهالي يرافقه تساؤلات حول قدرتها على تنفيذ القرارات الصادرة عنها.