نازحو داريا استقروا في إدلب وبدأوا بالعمل
شاب سوري يركب على الحمار بعد رعي الأغنام في أحد أحياء مدينة درعا جنوب سوريا.
"لم يعتد أهالي داريا على البقاء بلا عمل، فقد عرفوا بحبهم للحياة. وهم يحاولون أن يستعيدوا أشياءً من الماضي كالعودة إلى المهنة القديمة التي أبعدتهم عنها الحرب."
غادر أبناء مدينة داريا في ريف دمشق أرضهم في شهر آب/أغسطس 2016، متوجهين إلى إدلب. تركوا خلفهم بيوتهم وأشغالهم، لم يكن معهم سوى حقائب صغيرة وما يجيدون من مهن وحرف ستكون سندا لهم في أماكن إقامتهم الجديدة.
لم يعتد أهالي داريا على البقاء بلا عمل، فقد عرفوا بحبهم للحياة. وهم يحاولون أن يستعيدوا أشياءً من الماضي كالعودة إلى المهنة القديمة التي أبعدتهم عنها الحرب.
يقيم أبو ياسين (54 عاماً) في بلدة سرمين، منذ وصوله وعائلته على متن “باص التهجير” كما يسميه. ويقول أبو ياسين: “عند وصولنا لم نكن ندري أين سننام الليلة، كان المصير مجهولاً … ولكن أهل إدلب الطيبين لم يتركنا دون مأوى”.
قدّمت له إحدى العائلات منزلاً قديماً مجاناً حيث استقرّ مع زوجته وزوجات أبنائه الذين قضوا في داريا. “بعد أشهر من وصولنا لم أعد أطيق الجلوس في البيت كالنساء” يقول أبو ياسين ويضيف: “كان لا بد من وجود عمل يؤمن لقمة العيش، ويخرجني من مللي”.
أبو ياسين كان نجاراً وهو صاحب باع طويلة في هذه المهنة التي تشتهر بها مدينة داريا. ولكن عودته إلى هذه المهنة اليوم تكلف الكثير. ويوضح بحسرة: “أحتاج لمعدات كثيرة، وهي غالية الثمن. لا أستطيع العودة إلى مهنتي مجدداً”.
افتتح أﺑﻮ ياسين دكاناً ﺻﻐﻴﺮاً ﻟﺒﻴﻊ ﺍﻷﺟﺒﺎﻥ ﻭﺍﻷﻟﺒﺎﻥ، ﺑﻤﺒﻠﻎ ﺑﺴﻴﻂ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﺍﺩﺧﺮﻩ ﺳﺎﺑﻘﺎً. كان أبو ياسين يواجه صعوبة في تقبل عمله الجديد وهو الذي اعتاد على التعامل مع المسامير والأخشاب. عبر عن حزنه وهو يخفي وجهه بين الرفوف بعد أن اغرورقت عيناه بالدموع.
أبو بسام قصته مختلفة، فقد استطاع أن يسترجع ماضيه ويعود للمهنة التي أحبها وزاولها لسنين طويلة. يقول أبو بسام لـ “حكايات سوريا” عن دكانه الصغير الذي افتتحه بعد وصوله إلى إدلب: “أبيع التوابل أو البزورية، هي مهنتي منذ زمن. وقبل خروجي من داريا دمر دكاني أمام عيني وخرجت فاقداً كل شيء. لكني لم أفقد الأمل … وعدت إلى مهنتي”.
ﻭﻓﻲ ﺩﻛﺎﻧﻪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﺍﻟﺘﻲ ﻣُﻠﺌﺖ ﺟﺪﺭﺍﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﺮﻓﻮﻑ كانت تفوح رائحة التوابل المميزة، كان أبو بسام يجلس خلف طاولة صغيرة يفرقع بأصابع يده ومسترسلاً بالحديث: “تعودت أن يكون طعامي من عرق جبيني، لذلك لم أرض الجلوس وانتظار العون من أحد … صحيح أن دكاني صغير وليس كما في السابق، ولكنه يؤمن قوت يومي”.
يقع دكان أبو بسام في قرية صغيرة تبعد عن سوق إدلب المدينة قرابة 7 كيلومترات، حيث يبتاع بضاعته من هناك في رحلة يومية على دراجته النارية. ولا يخفي أبو بسام حنينه لبلدته التي ولد وترعرع فيها. وكان يظهر في عينيه بريق ويتهدج صوته كلما نطق باسم داريا.
وبحسب إحصائيات محلية أجرتها ” لجنة أهالي داريا في الشمال فإن 650 عائلة ديرانية انتقلت إلى إدلب. أحد أعضاء الجمعية ويدعى أبو محمد وفي حديث مع ” حكايات سوريا” يقول: ” تتوزع أغلب العوائل في بلدات جرجناز وسرمين وأطمة وقرية النيرب”.
ويضيف أبو محمد: ” في البلدات التي يقطن فيها أهالي داريا، أصبح بإمكانك مشاهدة الكثير من المحلات التي يعمل فيبها شباب من داريا. وبمساعدة المنظمات الأهلية وبجهود شخصية استطاع الكثير العودة إلى عمله بإستثاء المهن التي تتطلب رأس مال كبير” .
أحمد (30 عاماً) لم يجد عملاً يناسبه، وحاول إيجاد شريك يساعده على العودة إلى مهنته. ولم يوفق، فالأمر يحتاج لمبلغ كبير. “عملت في السابق كمدرب بنادي كمال أجسام” يقول أحمد، ويضيف: “أحتاج على الأقل لخمسة آلاف دولار أميركي، ثمن معدات التدريب … إنه مبلغ كبير جداً”.
ولم يبق أحمد طويلاً بلا عمل، ومع بداية موسم الحصاد، وجد أحمد فرصة للعمل كأجير للحصاد عند أحد المزارعين . ولم يشعر “أحمد المفتول العضلات بأي حرج بل على العكس فقد أعرب عن سعادته ورضاه: “الحمد لله وجدت عملاً … لم أعتد على البقاء بلا عمل … والشغل مو عيب”.
وفي ما يتعلق بخشية البعض من المزاحمة على فرص العمل بين الهالي والنازحين، يقول أبو محمد: “على العكس تماماً فإن مشاريع أهل الشام حركت الأسواق في إدلب. لا سيما أنهم يزاولون صنعات ومهن لم نكن نعرفها”.
وأضاف: “كما أن المواد الأساسية والخام، يبتاعونها من سوق إدلب الذي شهد حركة ملحوظة في الآونة الأخيرة”.
أبو محمد كامل عضو مجلس سرمين المحلي ورئيس صالة الإغاثة يقول: “80 عائلة من داريا أصبحت مقيمة في سرمين، وهي وكلها مسجلة لدينا ولها حصص غذائية شهرية. نتعامل معهم كأهل لنا وأخوة. لقد تركوا خلفهم أموالهم وبيوتهم، ونأمل أن يرجعوا لبلدهم سالمين”.