حين يموت شخص كنتَ معهُ قبلَ يومين
أنشطة الرسم الترفيهية التي تقدمها المعلمات للأطفال في مركز الدعم النفسي "فسحة طفل" في حي بستان القصر بحلب. صور من حلب بعدسة: مجاهد أبو الجود
"قالَ لي: "صديقي عبد السلام، الذي كنا عندهُ قبل يومين... ماتَ اليوم"."
ذهبتُ أنا وزوجي محمد لزيارة صديقه عبد السلام، وذلك كانَ بعد زواجنا بأُسبوع.
عبد السلام كريم جداً، ودعانا هو وزوجته للعشاء في منزلهما… سهرنا سهرةً لا أنساها، تحدّثنا ومزحنا… كنتُ سعيدة جداً بينهم.
بعد السهرة، قام عبد السلام بإعادتنا بسيارته إلى منزلنا، فقريته قريبة لقريتنا… عبد السلام من سكّان قرية حزّارين، ونحن نسكن في قرية معرة حرمة.
بعد يومين، على تلك السهرة، دخلَ زوجي محمد إلى المنزل والحزن بادياً في عينيه… كان صامتاً، لم يقل أي كلمة!
سألتهُ: “ما بكِ؟”
بقيَ صامتاً دون أي كلمة…
ألحّيتُ عليه بالسؤال، فتكلَّم!
قالَ لي: “صديقي عبد السلام، الذي كنا عندهُ قبل يومين… ماتَ اليوم”.
ثمَّ أخبرني أنّ عبد السلام قضى في غارات الطيران الروسي على قريته.
أمّا أنا فأصابتني الصدمة!
كيف لك أن تسمع خبرَ موت شخص كنت معهُ قبلَ يومين تضحك، وها أنتَ الآن تبكي عليه؟ نعم بكيتُ أنا وزوجي، فعبد السلام أب لثلاث بنات، وزوجته كانت حاملاً في شهرها التاسع أثناء استهداف منزلهم…
توفي عبد السلام في 10 كانون الأول/ديسمبر 2016. حزن زوجي بشدة لوفاة صديق عمره، وراح يُحدّثني عنه… أخبرني أنَّ عبد السلام كان يعمل في تركيا… ثمَّ عاد لزوجته وبناته، ومعهُ مبلغا من المال نتيجة تعبه وجهده. بنى منزلاً لعائلته، بعدما كانوا يسكنون لسنواتٍ طويلة، في منزلِ أهله.
لم تدم فرحة عبد السلام وعائلته طويلاً، في المنزل الجديد. مات عبد السلام وهُدِمَ المنزل… زوجة عبد السلام أصيبت بحروق شديدة جراء بالمازوت الذي كان موجوداً داخل المنزل أثناء استهدافه… أمّا بنات عبد السلام، فخرجنَ من الموت بأُعجوبة!
تمَّ إسعاف زوجة عبد السلام إلى مستشفى داخل تركيا، لعلاجها من الحروق… وهناك وضعت مولودها بعملية قيصرية بصعوبة، فالحروق كانت قد شوّهت جسدها ووجها الجميل!
أمّا بنات عبد السلام، فبقين في دار جدهم، الذي عادوا للسكن فيه بعدما تهدّم منزلهم… كنَّ يبكينَ لموت الأب وغياب الأم، وقد رأينَ الحروق على جسدها ووجهها…
بعد حوالي الشهر، عادت الأم تحمل طفلها اليتيم. طفل لن يعرف أبيه ولن يراه طوال عمره… سيكبر بدونه، وسينظر لوجه أمٍ مشوَّهة!
إلى اليوم، ما يزال زوجي يذهب لزيارة عائلة عبد السلام، ويطمئن على الأم والأبناء… كما يقوم بتأمين الحليب والمواد الغذائية لهم، من المستوصفات التي توزّع المساعدات للنازحين والفقراء والأيتام.
كيف أنّ الحياة دولاب! قبل يومين من موت عبد السلام، كنا نجلس معه برفقة زوجته الجميلة… اليوم بدل أن نذهب لزيارتهم كي يُكرِمونا بالضيافة، نذهب لمساعدة زوجة مشوّهة وأولادها الأيتام! تباً لحربٍ فعلت المُستحيل.
زهرة الغاب (16 عاماً) من ريف إدلب تحمل الشهادة الأعدادية وهي متزوجة. تبحث عن عمل لمساعدة زوجها على تحمل أعباء المنزل.