المعاناة في الساحل السوري ومخيماته!
تحملن الحطب في مخيم خربة الجوز في جسر الشغور تصوير أحمد العكلة
عند السابعة صباحاً تبدأ أم عمر (45 عاماً) بجمع الحطب من الأطراف المحيطة بمنطقة المخيمات الحدودية في قرى الساحل السوري، وذلك من أجل استخدامها للتدفئة وطهي الطعام وتسخين مياه الاستحمام في خيمتها.
ففي ظلّ استمرار الحرب السورية منذُ ست سنوات، تواجه القرى في الساحل السوري أو تلك القريبة منهُ تحديات كبيرة… وخاصةً في مناطق جبل الأكراد والتركمان وريف جسر الشغور الغربي، لأنها قريبة من مناطق النظام، فتُعاني من القصف المكثّف وغلاء المعيشة والبطالة والنزوح.
أم عمر نزحت من منطقة جبل الأكراد إلى مخيمات الزوف على الحدود التركية بالقرب من ريف جسر الشغور الغربي. تقول أم عمر لحكايات سوريا: “تحرّرت قرانا من قبل الجيش الحر قبل أربع سنوات، وبعدها بدأت قوات النظام بدكّ مناطقنا بالقصف المكثّف، لكن رغم ذلك آثَرنا البقاء وتحمُّل ويلات القصف كي لا نضطر للنزوح”.
لكن تضيف أم عمر بمرارة: “بعد الهجوم الجوّي الروسي على جبل الأكراد واقتحام قوات النظام وسيطرته على بعض القرى، اضطررنا للنزوح إلى المخيمات وأمسينا سبعة أشخاص نسكن في خيمةٍ واحدة. ولا يوجد أي دخل مادي يمكّننا من استئجار منزلٍ قريب يُنهي معاناة العيش في خيمة!”
وتضرّرتْ قرى الساحل السوري بسبب اعتمادها على الزراعة، وعدم وجود المحاصيل في ظل قلّة الأمطار، وبعدما نزح الأهالي إلى المخيمات بسبب القصف المكثّف على قراهم لم يلقوا ما يكفيهم من مساعدات.
يقول أبو الحسن (34 عاماً) وهو مسؤول إحدى المنظمات الإغاثية في الساحل السوري: “في السابق كان الدعم الإغاثي يتدفق على المنطقة ويكفي جميع النازحين تقريباً قبل أن تتزايد أعدادهم بشكل كبير… عشرات الآلاف نزحوا من القرى إلى المخيمات بشكل مفاجئ بعد الهجمة الروسية، ما تسبّبَ بعجزٍ كبير في مساعدة كل هذه الأعداد> المواد لا تكاد تكفي 10 بالمئة من النازحين… فيضطر القسم الأكبر إلى الانتظار شهوراً عدّة حتى يتمكّن من الحصول على سلة غذائية واحدة”.
بعضُ الأهالي نزحوا من مخيمات الساحل إلى مناطق أخرى بعيدة عن مناطق سيطرة النظام وصواريخه، وذلك بحثاً عن الأمن والاستقرار… أكثر من ٣ آلاف عائلة نزحت إلى إدلب إضافة غلى ألفي عائلة إلى مخيمات ريف إدلب الغربي، وألف عائلة إلى جسر الشغور وما حولها، وأكثر من ألفي عائلة إلى الداخل التركي، بالإضافة إلى نزوح البعض إلى مناطق النظام إن سمحت لهُ ظروفه الأمنية.
أبو بشار (48 عاماً) كان قد نزحَ من منطقة سلمى في جبل الأكراد إلى منطقة بداما في الساحل السوري، ويعمل حالياً في بيع الحطب، يقول لموقعنا: “كنتُ أمتلك أراضٍ زراعية تُقدّر بالملايين، وكانت المواسم تدرُّ علي أكثر من مليون ليرة سورية بشكلٍ سنوي… لكن بعد القصف المتكرّر اضطررنا لترك أراضينا… وها أنا أعمل الآن في بيع الحطب بعد نفاذ ما كنتُ أملك من مال”.
ويُشير أبو بشار إلى أنَّ الزراعة كانت تُسهم بنسبة 70% تقريباً من الناتج المحلي في المنطقة، بينما تقدّر نسبة البطالة بعد مرور ست سنوات على الحرب بأكثر من 80% بسبب سيطرة قوات النظام على مساحة كبيرة من الأراضي الزراعية في ريف اللاذقية، وانخراط بعض الشبّان بصفوف الثورة وهجرة بعضهم إلى خارج البلاد، علاوةً على غلاء أسعار مادة المازوت، العنصر الأساس في الزراعات التي تحتاج للرَي.
مع دخول الثورة السورية عامها السابع تفاقمت المشكلات الاقتصادية والاجتماعية بشكلٍ واضح في عموم المناطق المحررة، نتيجة التناقص المستمر في الموارد وأساسيات الحياة، وفقدان الكثير من السكان لمصادر رزقهم، وتراجع الدخل بعد الانهيار الكبير لمختلف القطاعات الاقتصادية.
عامر الحفاوي (26 عاماً) كان يدرس في كلية الحقوق في جامعة دمشق، وهو نازح من مخيمات أوبين في ريف اللاذقية إلى مخيمات خربة الجوز بعد قصف المخيم من قبل الطيران الروسي ووقوع العشرات من المدنيين بين شهيد وجريح.
يقول عامر لحكايات سوريا: “بعد انتشار الحواجز العسكرية على الطرقات واقتياد الشبّان إلى الخدمة العسكرية، قررتُ عدم الذهاب إلى الجامعة، وحين نزحتُ أصبحتُ أبحثُ عن أيِّ عملٍ هنا يمكّنني من كسب لقمة العيش”.
ويضيف: “المؤسسات بما فيها المنظمات الإنسانية التي يتم فيها توظيف الشباب، لا تتعامل على أساس المستوى التعليمي، بل أغلبها يعتمد على الخبرة السابقة وأحياناً على مدى معرفتك بأعضاء المنظمة، الأمر الذي قللَّ من فرصي بالحصول على عمل”.
ويشير الحفاوي إلى أنّ نسبة البطالة في ريف اللاذقية والمخيمات ترتفع تباعاً نظراً لانعدام مقومات الحياة وقلة المنظمات العاملة في الشأن الإنساني في هذه المنطقة، نظراً للخطر الشديد نتيجة القصف المستمر من قبل قوات النظام.
وبذلك يكون مصير المناطق والمخيمات في ريف الساحل السوري والمناطق القريبة منهُ، بين نزوحٍ وقهرٍ وفقرٍ وقتلٍ… وبين ضياعٍ لا يُنهيه إلا نهاية حربٍ فعلت ما لم يكن متوقعاً.