من دير الزور إلى دمشق…
نساء يتفقدن مكان استهداف الطيران الحربي لاحد منازل اقربائهم تصوير معهد صحافة الحرب والسلام
"وإلى اليوم، حلمُ العودة إلى دير الزور لا يُفارقني، مدينتي تحوّلت إلى حلم بالنسبة لي!"
لم أكن أتخيّل في يوم من الأيام أني سأُفارق مدينتي التي أُحب دير الزور، لؤلؤة الفرات التي تغنَّى بها الشعراء لكرم أهلها وإغاثة المحتاج. فيها ولدتُ وترعرعتُ ودرستُ وتزوّجت وعملت. لكنّ الظروف تجبنا على اتخاذ قراراتٍ مؤلمة.
في يوم من أيام ربيع العام ٢٠١١ انطلقت أولى المظاهرات في حي الجورة حيثُ أسكن. حصلَ ذلك بعد صلاة الجمعة، ولم أكن في البداية أدري ما الذي يدور!
قالَ لي زوجي أنّ الأهالي قد تجمّعوا للتظاهر من أجل نصرة أطفالِ درعا الذين أطلقوا شرارة الثورة في كل سوريا.
كان ينتابني شعور كبير بالفرح، لكنَّ الخوف كان حاضراً…
فما الذي تخبئه لنا الأيام؟
توالت المظاهرات وكبرتْ يوماً بعدَ يوم، ولم تكن تقتصر على فئة معينة، كانت تجمعُ النساء والرجال والكبار والصغار والتلاميذ والعمّال… وغدا الكل ينشد للحرية التي لم نعرفها من قبل بسبب نظام الأسد. حتى بتنا نتظاهر يومياً بعد صلاة العشاء في إحدى الساحات العامة، نتجمّع في طقسٍ يومي ونمسك بأيدي بعضنا.
جُنَّ جنون النظام وبدأ حملاته بالإعتقال، لم يوفّر أحداً ولم يفرّق بين طفلٍ أو عجوز أو إمرأة أو شاب… الأهم أن يكتم أصواتنا جميعاً.
بتُّ خائفة على زوجي الذي يعود من عمله في ساعة متأخرة من الليل، حيث كان يعمل مندوباً للمبيعات وعليه أن يتواجد في الشوارع والأسواق بشكلٍ دائم.
بدأت المصائب تنزل علينا، فإلى جانب خوفنا من اعتقالات النظام، تعرَّضَ زوجي للسرقة ثمَّ أُقفلت الشركة التي يعمل فيها بسبب الأوضاع، وحينها كنتُ أنتظرُ مولودي الثاني…
في ليلة من ليالي الصيف أصابتني آلام المخاض، وكنتُ أدعو الله ألا يحصل ذلك في الليل لقلة المواصلات بسبب كثرة الحواجز ليلاً، لكن هذا ما حصل!
فحتى الولادة صارت متعسّرة مع نظامٍ يعرقل كل الأمور! استعانَ زوجي بجارنا الذي يملك سيارة وقد أوصلنا إلى إحدى المستشفيات وتمّت الولادة على خير.
صار لدي ولدَين، والأوضاع تزدادُ سوءاً…
كانت أصعبُ أيام حياتي!
وفي حين أنَّ الثوّار كانوا يطوّقون المنطقة منعاً لدخول النظام وقواته من أمن وجيش وميليشيات لتنفيذ الإعتقالات… تردَّدَ على مسامعنا أنّ ساعة الصفر قد اقتربت وبأنَّ النظام ينوي اقتحام الأحياء. حينها لجأنا إلى منزل أهل زوجي، فعلى الأقل أجدُ مَن يعتني بي وبطفلي حديث الولادة.
بعدَها اتصل بنا أقاربنا من دمشق، ودعونا للخروج من حي الجورة باتجاه دمشق…
في ذات اليوم، حاولنا التواصل مع شركات النقل للذهاب إلى دمشق، لكن حتى الحافلات كانت مُحاصرة في الموقف من قوات النظام، ولا تخرج إلا بإذنٍ منها.
إلى أن حانت ساعة الصفر فعلاً عند الرابعة فجراً، وصلت قوات النظام إلى حي الجورة! وحصلت الإشتباكات مع الثوّار…
تعالت أصوات التكبيرات من المساجد وسمعنا أصوات الإنفجارات وإطلاق الرصاص…
استمرَّ ذلك الوضع حتى الثانية بعيد الظهر، وانهارت أعصابي وجفَّ حليبي ورضيعي كانَ يجهش بالبكاء… إلى أن هدأَ إطلاق الرصاص قليلاً، فخرجنا إلى منزل أقارب زوجي في منطقة قريبة أكثر أماناً، ثمَّ انتقلنا إلى دمشق بعدما مررنا بحقل الرماية المليء برصاص القنّاصات! وقد خرجَ معنا أقارب زوجي…
نعم تضطر للخروج تاركاً ماضيك بأكمله في منطقتك. هربنا وكنت أحمل رضيعي ذي الـ 15 يوماً وزوجي يحمل طفلنا الأكبر وعمره سنتين…
وإلى اليوم، حلمُ العودة إلى دير الزور لا يُفارقني، مدينتي تحوّلت إلى حلم بالنسبة لي!
أم حمزة (35 عاماً) من دير الزور، حاصلة على شهادة الثانوية العامة، وكانت تعمل مُحاسبة في شركة حوالات. متزوّجة ولديها اليوم ثلاثة أطفال وتسكنُ في محافظة جوروم في تركيا.