رحلة لجوء من سوريا إلى العراق فتركيا

"كان العراق في تلك الفترة يعيش حالة أمنية صعبة، وكنا نسمع عن حالات خطف وقتل تحدث هنا أو هناك. "

لم أتوقع أن غربتي ستكون بهذه القسوة. وأن أيامي التي عشتها في العراق، ستكون أكثر مراراً من التي عشتها في سوريا. لوعة الحنين لوطني لا تفارقني. رغم أصوات الانفجارت وإطلاق الرصاص في سوريا لاتفارق مخيلتي…
بعد كل المحن والآلام التي عشتها حاولت ان اقف على قدمي، واستجمع قواي، واطوي تلك الصفحة من عمري.
بعد وصولنا إلى بغداد مكثنا عدة أيام في بيت اخ زوجي. بعدها انتقلنا إلى بيت اخر، جهزنا بيتنا المتواضع بأثاث بسيط والمستلزمات الأولية… بعد أن تعرفنا على أهل الحي، وعلموا أننا نزحنا من سوريا هرباً من الجحيم، تعاطفوا معنا وقدموا لنا المساعدة. كانوا كرماء جداً.
حاول زوجي البحث عن عمل لسد احتياجاتنا. خصوصاً أن مدخراتنا تكاد تنفذ. عمل زوجي في محل لبيع المواد الغذائية، كان الأجر بسيطاً، لا يتناسب مع متطلبات الحياة .. بالرغم من وضع زوجي الصحي وعملية القلب التي اجريت له في سوريا، إلّا أننا كنا مضطرين للعمل انا او زوجي.
تعرضنا إلى الكثير من الضغوط النفسية والمادية. حتى المساعدة التي كنا نتلقاها بين فترة واخرى كانت غير كافية لسد احتياجاتنا. طرقنا أبواب المنظمات الإنسانية، ولكن للأسف بدون جدوى. خصوصا بعد أن ساء وضع زوجي الصحي. كان عليه أن ينقطع عن العمل للذهاب إلى المستشفى لإجراء الفحوصات والتحاليل.
الطبيب المعالج أبلغنا أن العملية الجراحية التي أجريت لزوجي في سوريا لم تكن ناجحة. وهو المر الذي أصابنا بصدمة. بحسب الطبيب لا بد من إعادة إجرائه إما في المستشفى الحكومي مع وجود نسبة عالية من الخطورة. أو خارج العراق على نفقة الدولة وعن طريق التسجيل لدى اللجان الطبية العائدة لوزارة الصحة.
ذهب زوجي لمقابلة اللجنة الطبية المكلفة اتخاذ قرار السفر، لكن للأسف لم يستطع الحصول على الموافقة بسبب الطلبات الكثيرة وكذلك وجود المحسوبيات…
بدأ مسار حياتنا يتخذ منحى آخر. في يوم لا يمكن أن أنساه جاء ابني الكبير عمر (6 أعوام) يبكي بحرقة. يشكو لي من سوء المعاملة من قبل جيراننا. كانوا يهزأون به ويكيلون له الشتائم. تدخل زوجي لحل المشكلة ولكنهم صرخوا بوجهه واعربوا عن استيائهم من وجودنا في المنطقة.
كان العراق في تلك الفترة يعيش حالة أمنية صعبة، وكنا نسمع عن حالات خطف وقتل تحدث هنا أو هناك. ازداد خوفي أكثر وخاصة بعد ما حدث مع ابني عمر، عندما أرسلته الى محل بقالة مجاور. بعد حوالي 10 دقائق جاء ابني مسرعا وهو يرتجف خوفاً. أخبرني أن سيارة استوقفته وطلبت منه الركوب فما كان منه إلا الهروب. حاولت أن أطمئنه وقلت له لا تخف ربما كانوا يمازحونك.
توالت الأحداث بشكل متسارع. خرج زوجي ذات يوم صباحاً، فوجد مغلفاً على باب البيت. بداخله على ما يبدو رسالة قرأها زوجي، ولم يخبرني فحواها. عاد إلى البيت وقد تغير لون وجهه. سألته ما الذي حدث فلم يجبني. قلقت كثيرا.
بعد تلك الحادثة جاءنا اتصال من شخص لا نعرفه. تكلم معه زوجي بغضب ورد عليه قائلاً: من انت؟ وإلى اين تريدنا أن نذهب؟ أنا مريض ولدي أطفال… بعدها أقفل زوجي سماعة الهاتف منهياً الاتصال. بدأت دقات قلبي تتسارع. سألته باستغراب: من المتكلم؟ فلم يجبني. أصابه الذهول. وعندما ألححت عليه السؤال أجابني شخص لا أعرفه هددني بخطف وقتل ابني عمر اذا لم نترك البيت خلال 3 ايام …
أصبت بانهيار عصبي. ولم تعد قدماي تحملاني من هول ما سمعت. طلب زوجي إلي أن أهدأ. “سنكون بخير إن شاء الله” قالها محاولاً إشاعة جو من الثقة. قلت له: يجب أن نغادر البيت بسرعة. ولم يعنِ لي شيئاً حديثه عن إبلاغ الشرطة.
سألته: هل هذه أول مرة يهددك فيها؟ أجابني: هذه المرة الثانية. وأخبرني عن قصة المغلف الذي وجده على باب البيت قبل يومين. وما كتب فيه من تهديد أيضاً. قلت له: إذا لم تخرج فسوف آخذ أولادي وأغادر من هنا.
بعد هذا اليوم العصيب عقدنا العزم على الخروج من البيت والمنطقة بشكل نهائي… وفعلا حزمنا أمتعتنا واتخذنا قرار الرحيل هذه المرة إلى تركيا. استكملنا اجراءات السفر من حجز وتأشيرات من السفارة التركية… وفي الصباح الباكر أي بعد يومين على الحادثة، غادرنا بغداد متجهين إلى الحدود العراقية التركية. كانت الرحلة طويلة جداً ومتعبة.
بعد حوالي 36 ساعة من السفر وصلنا أنقرة. كان بانتظارنا صديق زوجي، اصطحبنا إلى فندق لكي نرتاح. وفي اليوم الثاني على وصولنا إلى تركيا، غادرنا الفندق متجهين إلى المفوضية العليا لشوؤن اللاجئين، لتسجيل أسمائنا بقصد السفر الى خارج تركيا لعلاج زوجي.
أم حمزة (35 عاماً) من دير الزور، حاصلة على شهادة الثانوية العامة، وكانت تعمل مُحاسبة في شركة حوالات. متزوّجة ولديها ثلاثة أطفال وتسكنُ في محافظة جوروم في تركيا.