البعثة الاغاثية الطبية في سوريا نشاط لا يتوقف
البعثة الإغاثية الطبية في سوريا تهتم بصحة الأطفال النفسية الصورة من صفحة الجمعية على الفايسبوك
رائد (12 عاماً) تلقى عناية طبية سريعة إثر إصابته البالغة، بعد تعرض منزل أهله للقصف. وذلك في إحدى المناطق الساخنة في ريف حلب حيث القصف المتواصل وقلة المشافي الميدانية. نجح الفريق المعاين بوقف النزيف وإنقاذ حياته في إحدى كرفانات البعثة الاغاثية الطبية في سوريا، والتابعة لهيئة أطباء عبر القارات.
منظمة أطباء عبر القارات، تأسست في السعودية عام 2003، بهدف مساعدة المناطق المنكوبة في العالم. قامت المنظمة بإعداد فريق عمل لمساعدة السوريين المتضررين في الداخل، تحت مسمى البعثة الاغاثية الطبية في سوريا. وذلك في عام 2012 . واستهدفت تحديدا مناطق ريف إدلب، حلب، الرقة، والمناطق المحاصرة في ريف حمص، الغوطة الشرقية والغربية. هذه المساعدة تمثلت بإنشاء المشافي الميدانية الثابتة والمتنقلة، نقاط اسعافية، مستشفيات جراحية، مراكز رعاية الأمومة والطفولة. إضافة إلى دعم المستشفيات القائمة بالمستلزمات والتجهيزات والأدوية. وإقامة العيادات التخصصية وعيادات الأطفال. بالاضافة الى تقديم الأطراف الصناعية والمستلزمات الجراحية.
والد الطفل رائد (39 عاما) يثني على جهود البعثة التي أنقذت ولده بعد إصابته. يقول “ما كنت لأعرف ما كان سيحل برائد لو كان المشفى يبعد عنا. لقد رحمنا آلله بوجود مثل هذه المشافي المتنقلة في منطقتنا، التي لاتخلو من القصف اليومي”.
الطبيب سامر الجليطي (45 عاماً) أحد أعضاء البعثة الاغاثية الطبية في سوريا يقول “نظرا لتخبط النظام، وتغيير الجبهات والقصف المتواصل. فكّرنا بطريقة الكرفانات. وخاصة بعد استهداف المشافي الميدانية باستمرار. فأنشأنا 19 مشفى ميداني متنقل في سوريا. وتحديدا في المناطق القريبة من خط النار بمسافة 5-35 كم، ومن هذه المشافي مشفى دار الشفاء، مشفى الطبقة، مشفى الكسرة وغيرها”.
“هدف البعثة من هذه المشافي تقديم خدمة الإسعاف السريع للسوريين. والعمل قدر الإمكان على إنقاذ حياة أرواح بريئة كل ذنبها أنها تعيش الأزمة السورية”. على حد وصف الطبيب الجليطي.
الدكتور زاهد المصري (40 عاماً) وهو رئيس البعثة يقول “في عام 2013 قمنا بإنشاء مراكز الرعاية الصحية الأولية. والتي تعتبر أفضل طريقة لتقديم خدمات متساوية للمتضررين في حال وجود نقص في الموارد. هناك أكثر من سبعة مراكز رعاية أولية. تقوم على تخديم ما يتراوح بين 3 آلاف و4 آلاف مواطن شهرياً وبشكل مجاني. من حيث تقديم خدمات المعاينة والعلاج لأكثر الأمراض انتشاراً. بالاضافة لخدمات الولادة الطبيعية، التثقيف الصحي، مراقبة تغذية أطفال”.
أصيبت مريم الحميدو (38 عاماً) مع ولديها بمرض السل الرئوي، نتيجة البرد القارس نتيجة انعدام مواد التدفئة، في ظل ارتفاع الأسعار الجنوني في ريف إدلب. تقول مريم “إصابتي مع ولدي بهذا المرض كانت أشبه بانتظار الموت المحتم. وخاصة وأنني لا أملك شيئا من المال لتكاليف العلاج. أنا أعاني الفقر وغياب المعيل بعد إعتقال زوجي من قبل النظام منذ أكثر من ثلاث سنوات”.
وتضيف مريم “قصدت مركز العناية الأولية التابع للبعثة في ريف إدلب، وهناك قدموا لنا العناية والعلاج بشكل مجاني. ليس ذلك وحسب فقد استمر الاطباء بمتابعة حالتنا الصحية الى ان شفينا بشكل نهائي”. تعبّر الحميدو عن سعادتها باسترداد عافيتها مع أبنائها بالقول “لقد أعادوا لنا الأمل بالحياة من جديد. شعرنا بأن الدنيا لازالت بخير بوجود تلك الأيادي البيضاء”.
أكثر من 12 حملة لقاح ضد شلل الأطفال أطلقتها البعثة في سوريا. وقدمت اللقاحات الى أكثر من مليون و300 ألف طفل سوري، في كل من دير الزور وعين العرب وريفي إدلب وحلب. وعن مرض شلل الأطفال يتحدث الطبيب محمد المنصور (28 عاماً) ويقول: “انه فيروس شديد العدوى يغزو الجهاز العصبي. وهو كفيل بإحداث شلل في غضون ساعات قليلة”. ويعزو المنصور انتشاره في سوريا مع بداية عام 2014 إلى “انهيار منظومة الرعاية الصحية الأولية في سوريا بسبب الصراع الدائر في مختلف أنحاء البلاد”.
ولذلك سارعت البعثة بفريقها الاداري والميداني لتنفيذ حملات التلقيح ضد هذا الوباء، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية اليونيسيف. مما كان له الأثر بالحد من انتشاره.
روعة البيوش (32 عاماً) لا تتوانى عن قصد مراكز التلقيح ضد شلل الأطفال، كلما أعلنوا عن حملة جديدة. تصطحب معها أطفالها لتزويدهم باللقاح. “أشعر بالإطمئنان لكون هناك من يهمه سلامة أطفالنا وسط حرب عالمية تستهدف الشعب السوري لإبادته دون رحمة”.
“في ما يخص المناطق المحاصرة، في كل من حمص والغوطة الشرقية والغربية، فقد اعتمدت البعثة في مساعدتها على الكوادر الطبية المحلية. فعمدت إلى إدخال المساعدات لهم عبر الأنفاق”. بحسب الدكتور المصري رئيس البعثة، الذي يلفت أيضا إلى “أن البعثة أولت اهتماماً بالغاً بخدمات الدعم النفسي والاجتماعي، وخصصت له قسماً يغطي معظم الفئات التي تضررت إثر الأزمة الراهنة في سوريا”.
عمر الأحمد (26 عاماً) أحد الأخصائيين في هذا المجال يشير إلى “أن مراكز الدعم النفسي والإجتماعي في سوريا، تتوزع حالياً في كل من تل رفعت، عفرين، دارة عزة، الزربة، التح. الى جانب مركز الاطراف الصناعية، في كليس التركية وعيادات اللاجئين في مخيم آفاد سروج”.
وركزت البعثة على مساعدة الأطفال المتضررين على التأقلم مع البيئة الإجتماعية. وذلك من خلال برامج تربوية هادفة للأطفال. وتقديم خدمات الرحلات الترفيهية الدورية التي تتضمن إقامة الألعاب والمسابقات التربوية الجماعية. ويردف الأحمد “لم يكن أطفال المدارس بعيدين عن اهتمام البعثة التي قدمت خلال عام 2014 خدماتها لـ 17746 طفل. وذلك بتوزيع حقائب ترفيهية للعب الجماعي. كما تم تدريب المدرسين على أساسيات التعامل مع الأطفال في سبيل تحسين حالتهم النفسية”.
الطفل علاء(8 أعوام) من قرية التح التابعة لريف إدلب، يبدي سروره من نشاطات البعثة، التي تهتم بهم وتلاعبهم وتخرجهم من أجواء الحرب “ولو قليلاً”.
لم تقتصر مشاريع البعثة على الداخل السوري وإنما أيضا كان لها مشاريع هادفة في دول اللجوء في كل من تركيا، لبنان، الأردن.ولعل أهم هذه المشاريع كان مشروع خطوة أمل، في مدينة كيليس التركية. والذي استهدف قطاعين “الأول هو قطاع المصابين السوريين الذين فقدوا أحد أطرافهم في الحرب. حيث قامت البعثة بتركيب أكثر من 1200 طرف صناعي منذ نهاية عام 2013 حتى الآن. إضافة لتقديم الجبائر لمن يعانون من الشلل. أما القطاع الثاني فهو تدريب الكوادر الطبية على كيفية صناعة الأطراف”.
وفي هذا السياق يبدي عمار (22 عاماً) رضاه بحصوله على طرف صناعي. تعرضت ساق عمار للبتر في إحدى الغارات. يقول عمار “إن شراء طرف وتركيبه كان سيكلفني أكثر من ألف دولار أمريكي. وأنا لا أملك هذا المبلغ. أما الآن فقد حصلت عليه مجانا من مركز كيليس، وهو ذو نوعية عالية الجودة وأحاول أن أعتاد عليه”.
“تتعرض البعثة للكثير من التحديات والمخاطر منها استهداف ممنهج للطواقم الطبية، شح بالمواد، كثرة الحالات المؤسفة، تحديات نفسية صعبة” يقول المصري ويضيف “البعثة تبذل جهوداً جبارة في العمل الاغاثي الطبي في سوريا. ونحاول دائماً مشاركة الناس مأساتهم في قلب الحدث. لنكون اليد الحانية التي تمسح دموع المصابين وتخفف من آهات المنكوبين”.