طفلٌ يحترق وشابٌ ضائع…
مراة مسنة تنتظر صاحب صهريج المياه لكي تتطلب منه صهريج ماء لبيت عائلتها. تصوير معهد صحافة الحرب والسلام
عندما علمت أنّ الثوّار قد أعلنوا بلدة طيبة الإمام منطقة عسكرية، دخل السرور إلى قلبي وكنت أراقب أحداثها عن قرب. كانت المعارك تدور حولنا.
وفي صباح يوم 29 أب/أغسطس 2016، استيقظنا على الثوّار يطلبون المساعدة، بأن نجمع الإطارات المطّاطية لمساندتهم… فنحرقها ويخرج منها الدخان، ما يخفّف من قصف الطيران.
أسرع الكبير والصغير لتلبية طلب المساعدة. والدي الذي يبلغ 65 عاماً، نادى أبنائي كي يجمعوا الإطارات، فذهبت معهم. يا لهُ من منظر رائع، الكل يساند بعضه البعض! بدأ يومنا بعمل لم نكن نتوقعه… ننظر إلى السماء، فلا نرى سوى دخاناً أسوداً يتصاعد، ونحن ننتقّل من حي إلى حي نحرق الإطارات… حتى الأطفال، تخلّوا عن لعبتهم المفضّلة بسباق الإطارات، وأعطونا إياها كي يساندوا المقاتلين في المعركة.
والحمد لله، سيطرَ الثوّار على بلدات طيبة الإمام وحلفايا وصوران، وبقية القرى المجاوة في ريف حماه… فلم يذهب تعبنا سداً.
بعد أيام، جُنّ جنون النظام، فنزح الكثير من أهالي قريتي والقرى المجاورة هرباً من قصف الطيران السوري والروسي… كل نصف ساعة كانت الطائرة تغير ملقية بالصواريخ المختلفة، انتقاماً من تحرير بعض القرى وتخوفاً من التوسع.
وفيما كانت العائلات من قريتي تنزح، متجهةً نحو المناطق المحرّرة، استهدفت طائرة روسية الطريق المؤدّي إلى قرى اللطامنة وكفرزيتا المحررَّتين… كنا نحن ننقل الناس بسيارة والدي، وكان هناك عائلات أمامنا على بعد مائتي متر… عندما نادت المراصد أنّ طائرة روسية في الأجواء، نزلنا من السيارة واختبأنا بين الأشجار. استهدفت الطائرة العائلات التي أمامنا، ولم نرَ سوى النار قد اشتعلت بخمس سيارت ممتلئة بالناس ومعهم بعض الأثاث!
حاولنا الإقتراب… حاولنا إطفاءهم بالتراب! لكنّ النار كانت أسرع منا بعشرات المرات… فكل السيارات كانت قد تفجّرت، ولم أسمع سوى صرخة طفل كأنه ينادي مستغيثاً “أمي أمي” وهو يحترق!
إلى اليوم، لا أنسى ذلك الطفل وصرخاته! فماذا فعل هؤلاء كي يُحرَقوا بنار صواريخ ممتلئة بالحقد
بعد أيام، عدت إلى قريتي التي أصبحت مدينة أشباح بكل ما للكلمة من معنى… فلا يوجد فيها سوى الدمار.
وكان أمين (18 عاماً) قد بقي في القرية، كي يظل بجانب جده الذي رفض المغادرة كما فعلت عائلة أمين.
مكثا الجد والحفيد في قبو جانب منزلهم، مع آخرين لم يخرجوا من القرية.
وفي يوم، خرج أمين كي يرى جده لماذا تأخّر خارج القبو… وكان هناك طائرة تحوم فوق القرية… ولدى خروجه، نادى جده وهو ينظر إلى السماء ويقول: “شاهد هذه الطائرة يا جدي، لقد ألقت الصواريخ!”
ركض الجد إلى القبو، واختبأ خلف بابه، وأمين كان ما يزال في الخارج. دوّى صوت إنفجار ضخم وصعدَ الغبار الكثيف…
حين هدأ الوضع قليلاً… ظنّ الجد أنّ أمين كان قد نزل إلى القبو، فبدأ بمناداته ليطمئن عليه:
“أمين أمين… أين أنت؟!”
لم يُجب أمين!
أين أمين؟
بدأ الجد البحث عنه مع بعض الشبّان… وحلَّ الظلام ولم يجدوا أمين!
ثمَّ أتى الدفاع المدني، وبدأ البحث… إلى أن رفعوا الأنقاض ووجدوا أمين أشلاءً متناثرة!
جمعوا الأشلاء، والجد يبكي وأهل أمين كانوا قد نزحوا إلى حماه المدينة…
دفنوه، ولم تره عائلته وخاصة والدته التي بكته دماً حين عرفت بفقدان ولدها… كان جد أمين يلوم نفسه أنه السبب، فلو خرج، لما اضطُرّ حفيده للبقاء من أجله!
الطفل المحترق وقصة أمين، إثنتان من قصص كثيرة، لطيران يقصف قرانا ومدننا ويدمّرها بالحقد والكره… وهو ما يزال يفعل ذلك.
وإنّ حرق الإطارات لم ينفع مع طائرات مُجرمة. لكننا مستمرّون…
نرجس الحموية (31 عاماً) من ريف حماه. ربة منزل، أرملة ولديها أربعة أولاد. شاركت بدورات نسيج وتمريض في أحد المراكز النسائية في ريف إدلب حيث تسكن حالياً.