ثورة وأزمة سكن
أنا فتاة من دمشق، أعيش مع أسرتي القاطنة في مدينة السويداء، مخطوبة لشاب دمشقي وهو عسكري منشق، يقطن في إحدى مدن الغوطة الشرقية. بعد خطوبة دامت أربع سنوات قررت وأخيرا الذهاب إليه ليتم زواجنا. رغم صعوبة القرار بالنسبة لي ولأهلي، ذهابي إلى مدن الغوطة، دون مرافقة أحد من أهلي. ولكنني عزمت المجيء. وصلت إلى الغوطة الشرقية في 20 أيلول/سبتمبر 2013، قبل أن تقطع طريق الغوطة بشكل نهائي. كنت سعيدة، لحظة وصولي التقيت بخطيبي الذي لم أره منذ انشقاقه عن الجيش.
طبعا مشينا حسب الأعراف والتقاليد لعقد قران، شرعي ولكنه غير رسمي. تم الأمر وكان مبيتي في فترة خطوبتنا في منزل أحد اقربائي. بانتظار أن يجد خطيبي البيت المناسب. وكان خطيبي كلما وجد منزلاً إما يتعرّض للقصف أو يتم الاستيلاء عليه من قبل أحد سكان الحي. والسبب رفض وجود الغريب في حينا، كون خطيبي من دمشق. على الرغم من أنه ينتمي لإحدى الفصائل العسكرية، فهو لم يطلب مساعدة أحد. عرض علينا قريبي الذي أقيم عنده منزلاً، وافقنا دون أي تردد لأننا وصلنا إلى مرحلة اليأس.
تزوجنا في 18 كانون الثاني/يناير 2014، ما إن استقرّينا حتّى بدأت مشاكل المنزل بالظهور. ففي أول بركة نزلت من السماء، بدأ البيت يطوف بالمياه، والمطر ينهمر علينا وكأننا في الشارع. عندئذ شرع زوجي بالبحث عن حل لهذه المشكلة. علقنا بين سندان تغيير المنزل ومطرقة إصلاحه. كنا نعلم كم هي شبه مستحيلة مهمة البحث عن منزل في الغوطة لشاب شامي ليس لديه معارف في المنطقة. عزمنا على إصلاحه وبتكاليف باهظة. ما ان انتهت هذه المشكلة حتى فوجئنا بمشاكل أخرى. اشتد البرد، ونوافذ المنزل كانت تتكسر باستمرار بفعل القصف الهمجي. لا بد من تركيب مدفأة حطب صغيرة، لاتقاء البرد وللطهي. ركبنا المدفأة لندخل في جحيم الدخان الذي يملأ المنزل. الجدران أصبحت داكنة السواد. المداخن مغلقة ومسدودة بركام صاروخ حط على سطح البناء. عالجنا المشكلة عبر فتحة في الجدار لإخراج الداخون. طبعاً كل هذا في شهر العسل كما يقال. ولم نسعد بإنهاء المشكلة لتأتي الأخرى. عندما بدأت الحملة العسكرية على مدينة المليحة، بدأ الناس بالنزوح الى بلدات الغوطة المجاورة. قال لي زوجي حينها، اعانهم الله فمن الصعب وجود منازل للسكن. والصدمة جاءت عندما فتحت ابواب الناس والبيوت المغلقة لجميع الوافدين. لقد سكن البيت الذي في الدور الأسفل من قبل عائلة من المليحة. ما إن استقروا به حتى بدأت معاناتهم. فكنا كلما فتحنا صنبور الماء تسربت المياه فوق رؤوسهم. مشكلة التمديدات الفاسدة.
المؤسف كلما عرف أحد بقصتنا حزن وشتم كل من رفض مساعدتنا، مع العلم انه هو قادر على مساعدتنا لكن غضبه على اهل الشام منعه. حينها قررنا وبإصرار أن نعاود البحث عن منزل. وبعد أن وجدنا المنزل وتمت الموافقة على فتحه من قبل الهيئة الشرعية )المجلس المحلي أو الهيئة الشرعية هي الجهة المخوّلة الموافقة على فتح بيت مهجور لايتوقع عودة قريبة لأصحابه، قد يكون لمؤيدين رحلوا أو لمعارضين نزحوا إلى مكان آخر، وغالبا ما توضع هذه البيوت تحت تصرف المجالس المحلية او الهيئة الشرعية). صدمنا بأحد سكان البناء الذي كان يضع يده على أكثر من أربع شقق في البناء، دون وجه حق، بحجة أنه من سكان البناء الأصليين. المشكلة هنا مشكلة بشر لا حجر، فالبيت موجود ولكن ليس من حقنا العيش به، لأننا حسب زعمهم غرباء. وعندما جادله زوجي وقال له أنه منذ بداية الثورة ترك أهله وبلده الآمن ليقف بجانبهم، وأنه ينتمي لإحدى الفصائل العسكرية، تبسم بوجهه بسخرية غير مبالٍ بكلماته.
أخذ زوجي يصول ويجول في أحياء المدينة، ويطرق باب معارفه ليسألهم عن منزل بجوارهم، او في أي مكان. عرض عليه أحد القادة منزلاً في أحد المناطق المأهولة. قبل زوجي دون تردد. وضع علينا شرطا بأن نخلي المنزل في أي وقت يبلغنا بوجوب إخلائه. وأن المنزل فيه عطل فني صغير. وبعدها المنزل جاهز للسكن. وعندما دخل زوجي المنزل فوجئ بأن جميع الأنابيب مسدودة وبحاجة إلى التبديل، عن طريق تكسير البلاط. وعندما ذهب زوجي ليقول للمتوكل على البيت، قال له أصلح ما شئت وانا سأتكفل بالمصاريف. بدأ زوجي بالإصلاحات، ودفع الاجور ومع الاسف البيت لا يصلح أصلاً للسكن. حاول وحاول وحاول ولم ينجح، حتى بدأت الجرذان تتجول في أرجاء المنزل. هنا كنا في شهر رمضان، تركنا المنزل بعدما وصلت كلفة إصلاحه حوالي 300 دولار. وكالعادة لملمت الأغراض في الحقائب، وعدنا إلى المنزل القديم يائسين. وبدأنا تدريجياً بإنهاء مشاكله التي لم تنتهِ بعد، نوافذ ابواب جدران الخ.
ما أثر في نفسي وأوجعني أننا هنا في الغوطة الشرقية، كل منا يومياً يتعرض للموت بفعل القصف، ويتعرض منزله للدمار وللحرق وللخراب فوق رأسه ورؤوس أفراد عائلته، ومازلنا لا نتمنى الخير لبعضنا ونتعامل مع أخينا الملهوف بقمة الأنانية، مع الأسف.