يوم غضب في المخيم!
Women's participation in a big demonstration in support of rebel fighters in Aleppo. Photo of: Salah al-Ashqar
في شهر نيسان/أبريل 2013، استيقظنا صباحاً، لنعلم أنَّ بعض أهالي المخيم الذي نقطن فيه في تركيا، يخرجون بمظاهرات كردة فعل وغضب ضد إدارة المخيم. وذلك، بسبب وفاة طفلة في اليوم السابق وإصابة إخوتها، نتيجة اشتعال النيران في الخيمة وهم نائمين، نتيجة ماس كهربائي.
بدأت المظاهرات أثناء توزيع وجبة الفطور، ولم أعلم أن الأمور ستأخذ منحى آخر. بدأت تتسع وتتجه نحو إدارة المخيم! ليقوم البعض بضرب الموظفين والعمّال الذين يوزعون الطعام على الخيم، واعتراض سياراتهم. ما أدى لنقل بعضهم إلى المستشفى بسبب الإصابات. حدثَ تكسير وتخريب داخل غرف إدارة المخيم، وعمّت الفوضى كلَّ مكان!
لم أكن أؤيد هذه الأعمال، فالتزمتُ خيمتي. وحاول الموظفون والشرطة التركية تهدئة الوضع، لكن دون جدوى! التعدي على الموظفين، جعل أهاليهم يحاولون الرد! فجاؤوا للتظاهر أمام المخيم، وحاولوا الدخول إليه لضرب منَ اعتدى على أبنائهم. وعملت الشرطة التركية على إبعادهم. في حين أنَّ بعض أهالي المخيم قاموا بنزع بعض أجزاء الشريط الشائك التي تحيط بالمخيم، وخروجوا إلى الأراضي والبساتين المجاورة.
ما كان بالجندرمة (الشرطة) التركية، سوى إلقاء قنابل الغاز المسيِّل للدموع لضبط الناس، لجعلهم يعودون للخيم! في حينها لم أعرف ما الذي يرمونه، سوى أن الجميع بدأوا يدخلون إلى الخيم ويقومون بإغلاقها، والسبب تلك الغازات! دخلتُ خيمتي وأغلقتها بإحكام، وكنت أسمع أحدهم يصرخ ويقول أنها قنابل كيماوية. ما دبّ الرعب في قلبي وجعلني خائفة، وبدأتُ أبكي ولا أعلم ماذا أفعل!
طلب مني زوجي ترطيب بعض الأقمشة لوضعها على وجهَي ابنتَي. لكن من شدة خوفي مما يجري، بدأتُ أتشاجر مع زوجي الذي أتى بي إلى المخيم، وبأنني جئت من أجل البحث عن الأمان، لا من أجل أن أموت مع طفلتَي هنا!
قلت له: “سأعود ولن أبقى هنا”! انهارت أعصابي تماماً، فالصراخ والبكاء اللذين أسمعهما خارج خيمتي، أفقداني صوابي!
لكن قدرة الله كانت أقوى من الجميع، فهطول الأمطار الغزيرة والبرق والرعد القوي، فعل الطبيعة ألزم الجميع بالاستكانة. وأزالت الأمطار تلك الغازات التي أعمت أعيننا وجعلتنا نختنق. وعاد الهدوء ليعم المخيم عند الساعة الثالثة عصراً.
في حين أنَّ عناصر حفظ النظام والجيش التركي ملأوا أرجاء المخيم. وبدأوا يسيرون على عرض الطريق في شوارع المخيم بشكل صفوف متساوية. وقاموا في ما بعد بنقل مَن شارك في أعمال الشغب، مع عائلاتهم إلى خارج الحدود. وقد تمَّ التعرف عليهم عبر كاميرات موزعة في المخيم. تم تسفير قرابة 200 عائلة سورية نتيجة تلك الفوضى!
كنتُ أجلس في خيمتي وأترقب ماذا يجري والخوف يملأ قلبي، وعناصر من الجيش والشرطة ولعدة ساعات يجولون في المخيم. كان جميع الأهالي يعانون الجوع، بسبب إضراب عمّال توزيع الطعام عن توزيع وجبتَي الغداء والعشاء. لم نجد ما نأكله، سوى بعض كسرات الخبز، وبقايا طعام الفطور التي أطعمتها لطفلتيّ لتتمكنا من النوم.
حلَّ الليل والبرد الشديد، ولم نستطع إشعال المدفئة الكهربائية بسبب فصل الكهرباء عن الخيم. نالا منا البرد والجوع، ونامتا طفلتاي ولم أترك غطاءً إلا ووضعته
عليهما، لتشعرا بالدفء. كنا نرتجف أنا وزوجي، ولا نحس بأطرافنا.
أنهكنا التعب والجوع والبرد. ولم أجد أمامي سوى الشجار مع زوجي! وبأني لن أبقى دقيقة واحدة في المخيم، وسأغادر إلى سوريا! هذه الكلمات كانت تُسكت الغضب في داخلي!
عند ساعة متأخرة ليلاً، تمَّ توزيع القليل من الطعام، الذي بالكاد يكفي فرداً من أسرتي. قام بتوزيعه شبّان سوريون… لأمضي تلكَ الليلة ببرودتها وقساوتها!
في الصباح، عاد الموظفون الأتراك لتوزيع الوجبات. أما الماء والكهرباء، بقيا مقطوعين حتى المساء، وهذا بمثابة عقاب لجميع أهالي المخيم!
كان يصعب علينا تأمين القليل من الماء من أجل الشرب، بالإضافة للبرد الشديد. كل ذلك كرد على الفوضى التي أثارها الأهالي، حين احتجوا على حادث ماس كهربائي أودى بحياة طفلة.
ثلاثة أيام من الفوضى والترحيل، كانت كفيلة لتجعلني أفقد الأمان الذي لجأت إليه داخل المخيم، وأُفكِّر بالعودة إلى مدينتي التي ابتعدتُ عنها للبحث عن الأمان والطمأنينة.
لكن لم أجدهما في أي مكان نزحتُ إليه.
تغريد العثمان (30 عاماً) من مدينة كفرنبل، متزوجة ولديها طفلتين. نزحت عدة مرات ضمن سوريا وثلاث مرات إلى تركيا.