يطلبون التعليم في حلب حتى في أقبية الجوامع
لينا الحكيم*
رغم أصوات القذائف واستحالة الظروف المعيشية، مع تصاعد وتيرة الصراع الدائر في سوريا وما خلفه من تدمير للمؤسسات ومعظم البنى التحتية، إلا أنّ رغبة الحياة تتحدى الموت. رغم توقف معظم المدارس في مناطق التوتر وتحولها إلى نقاط عسكرية أو حتى أثراً بعد عين، يعي السوريون أنّ إعادة بناء المستقبل تبدأ بإعادة بناء جيل جديد متعلم، وأنّ انقطاع الأطفال عن استكمال تعليمهم يعني فجوةً في مستقبل سوريا، لذا التقت جهود العديد من المتطوعين لإحياء المدارس.
ضمن أقبية أحد الجوامع في حلب، وسعياً لتوفير أكبر قدر من الأمان، قامت مدرسة الشهيد مصطفى قرمان الإبتدائية بمبادرة من مجموعة “كش ملك”، التي انطلقت في بداية العام 2012 بتوجه مدني رافعة شعار “لتعود سوريا جمهورية”، المدرسة التي حملت اسم مؤسس جماعة “كش ملك” والذي قضى جراء قذيفة سقطت على تظاهرة في حي بستان القصر في حلب بتاريخ 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، شهدت تسجيل حوالي المئة وعشرين طالباً من الجنسين. يتم التدريس وفق المناهج السورية الرسمية، ما عدا التربية القومية الإشتراكية، إضافة لتخصيص يومٍ للأنشطة والألعاب والمسابقات، وتسعى المدرسة “إلى تأسيس الحيادية الإيديولوجية بمجال التعليم… هادفة إلى نموذج متطور بطريقة إعطاء المعلومة للطالب، ويمنع التعبير داخل المدرسة عن أي توجّه فكري، عدا علم الثورة”، بحسب ما قالت لنا إحدى مؤسسات المدرسة، فلا أعلام سوداء ولا إلزام بتأدية الصلاة ولا إجراء فصل بين الجنسين، ويتولى عملية التعليم مدرّسون يقيمون في المنطقة نفسها بأجور رمزية، ويتم دراسة إمكانية افتتاح مدرسة إعدادية وثانوية.
تعتبر” مؤسسة جنى للتعليم ورعاية الطفل”، والتي ترفع شعار “لأن أطفالنا هم جنى ثورتنا”، أكثر تنظيماً وانتشاراً، فهي تتولى إدارة المدارس في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في محافظة حلب، وقد افتتحت اثنتي عشرة مدرسة ضمن خمس مناطق، تتضمن المرحلة الابتدائية إضافة للشهادتين الإعدادية والثانوية، ويتم التدريس ضمن الجوامع أو المنازل أو المدارس التي ما تزال سليمة أو خالية من عناصر المعارضة المسلحة، مع الحفاظ قدر الإمكان على سلامة الأطفال.
ضمن المدارس التابعة لـ”مؤسسة جنى للتعليم ورعاية الطفولة”، يتم تدريس اللغتين العربية والإنكليزية ومادة الرياضيات والقرآن الكريم والتربية الإسلامية، إضافة لمادة الأنشطة والتي تتضمن الرسم والغناء كمحاولة لترميم نفسية الأطفال المتضررة بفعل آثار الحرب الدائرة. يتولى مهام التدريس معلمون مجازون، بعضهم يحمل خبرة سابقة والبعض ابتدأ حديثاً في المجال التعليمي التربوي، يتقاضى الأساتذة أجوراً رمزية، حوالي 3600 ليرة سورية (مايقارب 25 دولاراً أميركياً) شهرياً، وتنفي إحدى المسؤولات في “مؤسسة جنى” التي ترفض الإفصاح عن هويتها لأسباب أمنية، كافة الإشاعات التي يتم تداولها بأن جماعة “الأخوان المسلمين” هي الجهة الداعمة للمؤسسة “منذ البداية حرصنا على تعدد الجهات الداعمة لعدم فرض أي جهة رأيها وتوجهاتها، ونحن اليوم لانملك دفع أجور كافة المدرسين لهذا الشهر، ولذا وجهنا نداء لمن يستطيع المبادرة، لو كان “الإخوان المسلمون” أو أي جماعة أخرى هي الداعمة لما وقعنا في هذا المأزق”. يتم الاعتماد على المبادرات الفردية للدعم والتمويل، ووقعت المؤسسة أخيراً اتفاقية مع مجموع “المغتربين الحلبية/ فسحة أمل” لدعم مدرستين وقد نشرت المؤسسة نص الاتفاقية على صفحتها الرسمية على موقع فيس بوك.
في ما يتعلق بالترخيص للمؤسسات التربوية والمدارس الجديدة يقول عضو في المجلس المحلي في حلب فضل عدم الكشف عن إسمه “أغلبية المدارس المفتوحة اخذت التصاريح منّا، وارتبطت بنا بشكل أوبآخر، ولكن إذا حصل وفتحت مدرسة جديدة أبوابها، قد لا يصلنا خبر ولا يكون لنا علم بها، وليس لدينا إمكانية لإقفالها ولا حتى رغبة بهذا الأمر”.
وفي المناطق التابعة لسلطة المعارضة تم تحديد مواعيد امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية بعد عيد الفطر في منتصف شهر آب/ أغسطس، إلّا إن المدارس لا تفرض على الطلبة تقديم امتحاناتهم ضمن هذه المواعيد، فقد ترك لهم حرية اختيار التقدم للامتحانات الرسمية، التي بدأت في الثاني من شهر حزيران/ يونيو للشهادة الثانوية، والتي ستتم ضمن جامعة حلب لعدم توافر المدارس الكافية لاستيعابهم.
من المتعارف عليه أن اختيار المدرسة من قِبل الأهالي وفي الحالات الطبيعية يتم بناءً على قربها من السكن، وذلك للحؤول دون انقطاع الطلاب عن التحصيل العلمي، وهو ما يكتسب أهمية أكبر في الأوضاع الأمنية السيئة، تقول أم محمد وهي أم لأربعة أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 و11 عاماً “تأخرنا في تسجيلهم في المدرسة، فقد نزحنا في الفترة الأولى لكننا عدنا في النهاية إلى منزلنا، المدرّسون يقومون بمساعدة أولادي لتعويض مافاتهم خلال تلك الفترة”.
أبو عبد الرحمن أب لأربعة أبناء، يتابع اثنان منهم الدراسة فيما الثالث ويبلغ من العمر سبعة عشر عاماً فلا مدرسة في المنطقة لمن هم في سنه، أما الرابعة وهي في الخامسة عشر من العمر فقد انقطعت عن التعليم قبل بداية الأزمة في حلب، ويقول أبو عبد الرحمن “أنا أميّ لا أقرأ ولا أكتب، أسمع من أبنائي أنهم تعلموا جدول الضرب وآيات قرآنية، وابني الأصغر تعلم الصلاة، المهم أن يتعلموا القراءة والكتابة”.
أما فاطمة وهي طالبة في الشهادة الإعدادية فتقول “المدرسون متعاونون معنا ويبذلون جهداً كبيراً لنتمكن من اجتياز امتحاناتنا بنجاح، في ظل هذه الظروف لاأعتقد أنه من الممكن توفر إمكانيات أفضل”. فاطمة كانت تنوي تقديم امتحاناتها إلّا أنها تخشى من إغلاق المعابر بين المناطق الخاضعة لسلطة النظام وتلك الخاضعة لسلطة المعارضة قبل أيام من بداية امتحانات الشهادة الإعدادية الرسمية.
يفضّل معظم الطلبة تقديم امتحاناتهم ضمن الفترة الرسمية، لعدم توفّر أي اعتراف حتى تاريخه بالشهادات التي ستقدمها المعارضة السورية، رغم الوعود الشفهية التي قدمت من دولتي مصر وليبيا حول الإعتراف بالشهادات، والتي لم توثّق كتابياً، “في كل محاولة للحصول على الاعتراف الكتابي بالشهادات نلاحظ محاولات التملص”، بحسب ما أوضح أحد المتحدثين الإعلاميين لمجلس مدينة حلب، وهو ما يثير جملة من التساؤلات لدى معظم الأهالي، فتبقى الإمتحانات الرسمية التابعة لسلطة النظام في دمشق هي الأضمن بنظرهم.
*لينا الحكيم هو اسم مستعار لصحافية تعيش داخل سوريا