ونزحنا إلى الحسكة مع زوجي المريض
A women coming back from Jordan after being in asylum for years by Mohammad Aba Zeid
" كانت الحياة صعبة جدا في مدينة الحسكة، ولكن ليس بيدي حيلة للخروج من هذا المأزق. فحالي حال آلاف النازحين الذين عانوا من ويلات النظام وظلم"
بعد رحلة النزوح الأولى إلى دمشق، وعودتنا الى دير الزور. ساد هدوء حذر في المدينة. والحياة عادت ولكن ببطء. سيطرت قوات النظام على مفاصل المدينة بشكل شبه كامل…
في شهر مايو/أيار 2012 ساء وضع زوجي الصحي. وبعد إجراء التحاليل والفحوصات الطبية تقرر إجراء عملية جراحية له في القلب. ولأن هذه العملية مكلفة، ومن الصعوبة إجراءها في المستشفى الحكومي في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها المدينة.
تقدم زوجي بأوراقه إلى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لكونه عراقي الجنسية، وبعد دراسة ملفه الطبي من قبل لجنة من الأطباء، وافقوا على اجراء العملية في دمشق على حساب المنظمة.
خرج زوجي من العملية ورجعنا إلى دير الزور، حيث كان وبحسب تعليمات الاطباء ان في نقاهة وراحة تامة، ويخضع لتحاليل كل يومين.
حينها حدث ما لم يكن في الحسبان. اندلعت اشتباكات عنيفة في منطقتنا وتحديداً في حارتنا التي نسكن فيها. خفت كثيراً. عشنا ساعات طوال من الرعب. تحول الليل إلى نهار من شدة الانفجارات التي وقعت. كلما كانت مدافع الدبابات ترعد بصوتها كنت أحضن اولادي في غرفة اخترناها لهكذا ظروف.
أصابني الخوف والقلق على وضع زوجي الصحي. أصابته نوبة قلبية، ولم يكن بالامكان أخذه الى المستشفى بسبب الوضع الأمني. في الصباح وبعد ان هدأ الوضع قليلا داهمت قوات من الحرس الجمهوري حارتنا. وبدأت بحملة مداهمة وتفتيش للبحث عن مطلوبين في المنطقة.
كنت خلف النافذة أحاول تبيان ما يحصل. تعالت أصوات طرق على باب بيتنا وركلات بقوة. كانوا يصرخون افتحوا الباب للتفتيش. فتح زوجي الباب على عجل. كنت خائفة جداً. دخل عناصر الامن والجيش طلبوا منا هويات ثبوتية، فتشوا وعبثوا بمحتويات البيت ولم يجدوا شيئا ثم انصرفوا.
كانت المرة الأولى التي أتعرض فيها لهكذا موقف. بعد خروجهم بنصف ساعة سمعت أصوات صراخ صادرة من بيت الجيران. بعدها سمعت أصوات إطلاق نار كثيف. بعد انجلاء الحالة وخروج قوات النظام من حارتنا تبينت الكارثة. تم تداول أخبار عن إعدام عدد من الشبان.
بعد تلك الأحداث قررنا ترك بيتنا والنزوح إلى مدينة الحسكة. اتصل زوجي زوجي بفرع منظمة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الحسكة لعلها تقدم لنا يد العون. وفعلا خرجنا في الصباح الباكر من بيتنا إلى مدينة الحسكة. كنت مضطرة لتأمين الدواء لزوجي، وإجراء التحاليل الدورية له وكل هذا غير ممكن هنا…
وصلنا إلى الحسكة، مكثنا لعدة ايام في بيت أقاربنا هناك. كان البيت مكتظا بالنازحين من دير الزور. اتصلنا بمنظمة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لتبيان امكانية تأمين مأوى لنا. ولكن للاسف اعتذروا عن ذلك. ولهذا حاولنا إيجاد مأوى ولو غرفة صغيرة تجمعنا.
لم نستطع ان نستأجر شقة بسبب ارتفاع أسعار الإيجارات. بحثنا كثيراً حتى في الفنادق الصغيرة ولكنها كانت ممتلئة. وجدنا مأوى في إحدى صالات الأعراس المهجورة. مكثنا فيه لمدة يومين. بعدها خرجنا بسبب انعدام وجود الماء.
خرج زوجي للبحث عن مأوى فوجد مكاناً في قبو مظلم. كان المكان مكتظا بالنازحين حتى أنه كان يفصل العائلة وعائلة أخرى فقط قطعة من القماش. عشنا أياماً عصيبة في ذلك المكان كان زوجي قد ساءت حالته الصحية، على الرغم من وجود الدواء إلّا أن الرطوبة العالية والحر الشديد قد أثر علينا وايضا انقطاع الماء والكهرباء بشكل شبه يومي …
كانت الحياة صعبة جداً في القبو، حتى أن الحمام كان مشتركا بين الموجودين. كنت متعبة جداً فحرارة الصيف والصوم في شهر رمضان أثرا علي كثيراً.
كان كل شيء يقع على عاتقي في خدمة زوجي وأولادي الصغار، وبسبب سوء الخدمات في الحسكة وانعدام وجود الماء المعقم تعرض ابني الصغير الى تسمم. أخذته إلى المستوصف لإعطائه العلاج اللازم.
كانت الحياة صعبة جدا في مدينة الحسكة، ولكن ليس بيدي حيلة للخروج من هذا المأزق. فحالي حال آلاف النازحين الذين عانوا من ويلات النظام وظلمه… يبدو أن الأيام حبلى بفصول جديدة من المأساة والمعاناة التي تخبئها لنا.
أم حمزة (35 عاماً) من دير الزور، حاصلة على شهادة الثانوية العامة، وكانت تعمل مُحاسبة في شركة حوالات. متزوّجة ولديها اليوم ثلاثة أطفال وتسكنُ في محافظة جوروم في تركيا.