وللمناطق المحررة سجلاتها ووثائقها

أقام النظام السوري الحواجز الأمنية في محيط الدوائر الحكومية والرسمية التابعة للدولة، ومن بينها مراكز السجلات المدنية والعقارية. وبعدما وقع الكثير من المعارضين في قبضة الأجهزة الأمنية عند هذه الحواجز، قامت رابطة المحامين السوريين الأحرار بافتتاح مراكز التوثيق في المناطق التي ليست خاضعة للنظام، ومنها إدلب كجزء من الحل بهدف تأمين سير حياة المواطنين وحفاظاً على حقوقهم من الضياع .

مدير العلاقات العامة في رابطة المحامين الأحرار رامي النومان (42عاماً) يتحدث عن هذا فكرة هذه المراكز قائلاً: “امتنع معظم المواطنين عن مراجعة دوائر الدولة ومؤسساتها، خوفاً من الاعتقالات التعسفية التي يقوم بها عناصر الحواجز الأمنية، إضافة إلى عمليات القصف والحرق للعديد من دوائر الدولة من قبل النظام، وهو ما جعلنا نندفع كحقوقيين وقانونيين لطرح مشروع التوثيق المدني، نظراً لأهميته القصوى، حيث يساهم بشكل كبير في تطوير ونمو جميع المرافق الحيوية والخدمية”.

وثّق حقّك ولا تدعه يضيع الشعار الذي ترفعه الرابطة في مكاتبها تصوير سونيا العلي

يشرح النومان أهمية القيد والتسجيل ويتطرق إلى أهمية توفير الدراسات والإحصاءات في المجتمع، أكان من حيث نسبة النمو السكاني، وتحديد الكثافة السكانية، أو إيجاد التخطيط الدقيق للعمل على التنمية المجتمعية من خلال البيانات والإحصائيات. إضافة إلى الحقوق التي يحفظها من الضياع والتي تبدأ من ولادة الفرد وتلازمه طيلة حياته وحتى وفاته.

بدأ مشروع التوثيق بحسب النومان باستحداث مكاتب التوثيق المدني التي تُعنى بـ “العقود بكافة أنواعها، كالبيع والشراء والإيجار والإعارة، إضافة إلى المعاملات الإدارية، التي تتضمن الأحوال المدنية التي توثق وقائع الولادة والوفاة والقيد المدني والعائلي وغيرها. أما الأحوال الشخصية فتشمل معاملات الزواج والطلاق والمخالعة والوصاية والهبة وغيرها”. وبحسب النومان “يوجد في إدلب أربع مراكز للتوثيق المدني، تتوزع في كافة أنحاء المحافظة المحررة تسهيلاً لأمور المواطنين. وتوجد هذه المراكز في معرة النعمان، جبل الزاوية، سراقب وإدلب المدينة. ويتراوح عدد المحامين في كل مركز بين ثلاثة إلى خمسة موظفين، يتبعون لرابطة المحامين الأحرار. التي تعتبر أول مؤسسة رسمية باشرت عملها بعد تحرير محافظة إدلب من قوات النظام. تهتم الرابطة بتنظيم عمل المحامين في المناطق المحررة، وتجمع المحامين العاملين في الثورة الذين يعملون في المحاكم ويشغلون المناصب الإدارية في الهيئة المدنية وفي هيئة إدارة الخدمات والمجالس المحلية.

مختار معرة النعمان مصباح الحسون (50 عاماً) يتحدث عن أهمية التوثيق قائلاً: “تعتبر شهادة التعريف الصادرة عن مراكز التوثيق بمثابة هوية شخصية، وخاصة للشبان الذين لا يملكون هويات، كالمنشقين وغيرهم. وتكون فاعلية الشهادة هذه ضمن المناطق المحررة، بالإضافة إلى استصدار بيانات عائلية للذين لا يمكلون دفاتر عائلة. أما جواز السفر فيكون عن طريق مراكز الهجرة في المدن والمحافظات التي تقع حالياً تحت سيطرة النظام” .

وفي ما يتعلّق بآلية العمل داخل مراكز التوثيق يقول أحد الموظفين في مركز معرّة النعمان ويدعى مصطفى غريب (41عاماً): “نعمل على حفظ السجلات من التلف والضياع بطريقة الكترونية، لتوفير المعلومة الدقيقة من ناحية الحصص والملكيات والأسهم. ناهيك عن سرعة الحصول عليها واختصار الوقت وتوفير الانتظار على المواطن، وترتيب الفوضى العقارية وتنظيم أمور الأهالي وبالتالي الحفاظ على ملكيات المواطنين”. ويلفت إلى “الصعوبات التي تواجه عمل المركز من حيث القصف الشديد والأوضاع الأمنية غير المستقرة في أغلب المناطق، والحاجة إلى تعريف الناس بضرورة التوثيق لذلك تم إطلاق حملات توعية تحت عنوان (وثّق حقّك)”.
تتلقى رابطة المحامين الأحرار دعما ماديا من قبل بعض الدول والمنظمات المهتمة بمشاريع تعزيز الحوكمة وسيادة القانون وتمكين عمل الإدارات المدنية، ولاسيما مبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية، إضافة إلى تلقي الدعم من الحكومة الفرنسية، ولا تتقاضى مراكز التوثيق أي رسوم من المواطنين مقابل خدمات التوثيق.

المواطن أنس عربو (39 عاماً) من قرية جرجناز في ريف إدلب يقول: “اشتريت قطعة أرض من أحد الأشخاص، ووثقت عقد البيع والشراء في المركز التابع لمعرة النعمان، لضمان حقي في ملكية الأرض في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها يومياً. ونشكر الموظفين الذين يقومون بحهود كبيرة لخدمة المواطنين ويحفظون لكل ذي حق حقه”.

تجدر الإشارة إلى أن الخلافات حول الملكية تحال إلى المحكمة الشرعية للفصل بين المتنازعين. وعندما يثبت الشخص حقه يتم توثيقه لدى مركز التوثيق. أما بالنسبة للميراث فيتم ضبطه وفقاً للأصول الشرعية والقواعد القانونية ويتم تقييده وتسجيله في سجلات خاصة بقيود الميراث.

كما تنتشر في المناطق المحررة مراكز التوثيق الجنائي التابعة لرابطة المحامين الأحرار بشكل مباشر أيضا، وعملها يندرج تحت برنامج حقوق الإنسان، وتتضمن توثيق الانتهاكات والجرائم التي يقوم بها النظام ضد المدنيين. إضافة إلى توثيق أسماء الشهداء، المعتقلين، الجرحى والمفقودين، إلى جانب حالات القصف اليومي. وكافة الجرائم التي تحدث من قبل أي جهة كانت بحق الشعب السوري المضطهد.

النومان مدير العلاقات العامة في رابطة المحامين الأحرار يقول في ختام اللقاء: “بجهود حثيثة ونفوس لا تعرف اليأس يعمل في مراكز التوثيق محامون أكفاء مشهود لهم بالنزاهة، ساعين لهدف واحد هو تسيير أمور الناس. آملين أن تكون هذه المرحلة الصعبة التي تفوق أي احتمال هي مساحة عبور لسوريا المستقبل، التي يحلم بها كل مواطن سوري حيث يسود فيها مجتمع يحق الحق ويحفظ لكل امرئ ملكيته”.