ولادة متعسرة وبحثٌ يطول
إسمي فرح عمري 25 عاماً، متزوّجة وأم لولدين. كنت أعيش في العاصمة دمشق قبل اندلاع الثورة السورية، ولاحقاً عدت للعيش في بلدتي كفرومة في ريف إدلب الجنوبي. أنا من عائلة تتألف من والدي ووالدتي وأخوين وست أخوات.
أنهيت دراستي الثانوية عام 2010 والتحقت بكلية الآداب فرع الفلسفة، إلى أن تقدّم شاب لخطبتي وأنا في سنتي الدراسية الأولى. الأمر الذي اضطرني إلى ترك جامعتي وقوفاً على رغبة خطيبي. وبعد شهرين من الخطوبة، وفي 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2010، تزوجنا.
زوجي عامل عادي في مصنع للبرادات، بالقرب من منطقة السبية في ريف دمشق حيث كنا نسكن. في آذار 2011، عمّت المظاهرات أرجاء سوريا وبدأت معها آلة النظام القمعية بعمليات القتل والتشريد والاعتقال.
صباح 8 حزيران/يونيو 2013، خرج زوجي كي يشتري الخبز. علمتُ لاحقاً، أن حاجز الجيش القريب من الحارة التي نقطن فيها قام باعتقاله وسوقه إلى جهة مجهولة. كان وقع الخبر شديداً، خاصة أني كنتُ سأضع طفلي الثاني في ذاك الشهر، ولا معيل لي سوى الله وزوجي. لم يكد يمضي عشرة أيام على اعتقال زوجي حتى أصابتني في تلك الليلة الآم مخاض ما قبل الولادة. كانت ليلة صعبة. بصعوبة بالغة تمكّنت من الخروج إلى المنزل المجاور. طلبت من جارنا أن يقلّني إلى المشفى. كانت زوجته تعلم أنني أنتظر مولودي الثاني، فأبقيت معها إبني الأول الذي كان يبلغ من العمر سنة ونصف السنة. واستجاب الجار لطلبي.
كنتُ أعتقد أنّ حواجز النظام لن تعترضنا على الطريق، خاصة وأنني إمرأة على وشك ولادة. لكني كنت مخطئة تماماً. عندَ الحاجز الأول الذي مررنا منهُ، قام جندي من جنود النظام بإيقافنا وطلب البطاقات الشخصية… نصف ساعة كانت كفيلة لأن أنهار من ألم عوارض الولادة وأنا في السيارة، إلى أن حضر الجندي بكل دم بارد، وبدأت سلسلة التحقيق: من أين أنتم، وإلى أين تذهبون، وماذا تحملون معكم؟ وغيرها من الأسئلة السخيفة، قبل أن يسمح لنا بالذهاب.
في المشفى لم يكن هناك سوى ممرضة واحدة فقط. هي الأخرى استقبلتنا بكل دم بارد، ولم تبالِ بحالتي! تصادمتُ معها، وبدأ صراخي يعلو شيئاً فشيئاً، حتى ألزمتها أن تتصل بالطبيب المناوب وتطلب منهُ الحضور إلى المشفى. انتظرتُ ساعة كاملة حتى وصل الطبيب، كنتُ أشعر أن أحدهم يُدخل سكيناً في بطني ويُخرجها.
تمَّت الولادة المتعسرة بعدَ عناء…
20 ألف ليرة سورية كانت تكلفة الولادة. لا أملك منها ألفاً واحداً. ما دفعني إلى الطلب من جارنا أن يسدد الفاتورة، ريثما أعود إلى المنزل وأؤمّن له المبلغ. وبالفعل، أكمل الرجل معروفه معي وذهبَ لإحضار المبلغ ودفعه للمشفى، واصطحب زوجته لتكون معي في محنتي.
في طريق العودة إلى المنزل، كنت أتألّم جداً. ولدي الصغير الذي أنجبته في ذلك اليوم يصرخ بكل ما يملك من قوة وهو في أحضان جارتي. إلى أن وصلنا إلى ذات الحاجز الذي اعترض طريقنا أثناء ذهابنا إلى المشفى. وكأنّ المشهد يُعاد أمامي. ذات الجندي قام بإيقافنا وطلب البطاقات الشخصية. غابَ عنّا ما يقارب النصف ساعة، ليعود مختالاً في مشيته ويرمي الهويات في السيارة، ويسألني: “تمَّ الإنجاب على خير وأخرجتِ البغل من بطنك؟” كنتُ أُريد أن أبصق بوجهه، لتكون تلك “حلوانة” مولودي الجديد. لكنني لم أجرؤ على فعلها خوفاً على ولدي ومن كانوا معي.
بعد أيام استعدتُ عافيتي، بعت خاتمي الذي أهداني إياه زوجي في يوم زفافنا كي أرد الدّين لجارنا. ثمَّ بدأت رحلة البحث عن زوجي في الأفرع الأمنية التابعة للنظام.
نرمين مصطفى (25 عاماً) من إدلب متزوجة وأم لطفلين. توقفت عن دراستها الجامعية بسبب الحرب.