وفيّات في القامشلي بسبب فقدان الأدوية
بختيار حسن*
تعاني القامشلي حالياً من نقصٍ حاد في كل أنواع الأدوية. هذه الأزمة هي انعكاس للتراجع الذي يشهده قطاع إنتاج الأدوية في سوريا بعد احتدام الصراع بين نظام الرئيس السوري بشار الأسد والمعارضة المسلحة.
ويضاف إلى مشكلة النقص في إنتاج الأدوية مشاكل أخرى في القامشلي. يقول الطبيب عمار صاحب مستودع التاج للأدوية في القامشلي إنه خسر ثلاث شحنات أدوية بقيمة مليوني ليرة سورية بعد أن استولى عليها قطاع طرق يتمركزون على الطريقين اللذين يربطان محافظتي دير الزور والرقة بالقامشلي. وفي مرة رابعة طُلب منه خوة بقيمة 200 ألف ليرة سورية ليسمح قطاع الطرق لشحنته التي كانت بقيمة 600 ألف ليرة سورية بالمرور، حسب قول عمار. وقد استجاب الطبيب للمطالب.
ومن الصعب التأكد من هوية قطاع الطرق أو الجماعات المسلحة الذين ينشطون بشكل رئيس على الطرق التي تربط محافظتي دير الزور والرقة بالقامشلي.
ويعاني الصيدلاني هـادي الذي يعمل في القامشلي كمندوب أدوية لصالح مصنع في دمشق من نفس المشكلة. يقول هادي إن العديد من شحنات الأدوية التي أرسلها المصنع الذي يتعامل معه تمّ منعها من إكمال طريقها إلى القامشلي من قبل جماعات مسلحة. وأضاف أنه على علم بأن شحنات أدوية تابعة لمصانع أخرى تم الاستيلاء عليها من قبل مسلحين أيضاً.
الخوّة التي يطالب بها قطاع الطرق هي إحدى أسباب ارتفاع أسعار الأدوية والمنتجات الصيدلانية في القامشلي. سبب آخر هو رفع أسعار الأدوية المنتجة محلياً من قبل الحكومة السورية في بداية يوليو/تموز الماضي. وينص التعديل على رفع أسعار الأدوية التي يصل سعرها حتى 100 ليرة بنسبة سورية 50 بالمئة و25 بالمئة على الأدوية التي يتجاوز سعرها الـ100 ليرة.
ويقول طبيب يعمل في مشفى في القامشلي طلب عدم ذكر اسمه إن سعر علبة السيروم التي كانت تبلغ 65 ليرة سورية قبل سنة تقريباً أصبحت تصل اليوم إلى 250 ليرة سورية. كما يؤدي ارتفاع أسعار الأدوية إلى ارتفاع تكاليف العلاج في المشافي. فقد كانت تكلف عملية الولادة في مشفى خاص قبل سنة 5 ألاف ليرة سورية، أما اليوم فتكلف 9 آلاف.
وتشهد القامشلي نقصاً حاداً في الأدوية لعلاج الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والكلية والسرطان والضغط والسكري وأدوية لعلاج أمراض نفسية وعصبية.
واستنادا إلى “مخطط الاستجابة للاحتياجات الإنسانية في سوريا” الصادر عن الأمم المتحدة في يونيو/حزيران الماضي فإن إنتاج الأدوية في سوريا تراجع بنسبة 75 بالمئة منذ 2010 . وحسب هذا التقرير فإن سوريا كانت تنتج 90 بالمئة من احتياجاتها من الأدوية. وفي تقرير صادر عن المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في يونيو/حزيران الماضي فإن العقوبات الاقتصادية وانهيار قيمة العملة المحلية وزيادة تكاليف عمليات التشغيل الميدانية أثَّرت سلباً على إنتاج الأدوية. يضاف إلى ذلك أن الكثير من معامل الأدوية واقعة في أرياف دمشق وحلب وحمص، التي تشهد حاليا معارك طاحنة. وقد أغلق العديد منها أبوابه.
ويشير الطبيب لقمان عبد الله عضو اللجنة الصحية في البلدية الشعبية بالقامشلي التابعة لـ”حركة المجتمع الديموقراطي” الكردية إلى إن نقص أدوية غسيل الكلى في المشافي أدى إلى وفاة عشرين شخصاً مصاباً بأمراض الكلى في القامشلي خلال السنة الماضية (من شهر حزيران/ يونيو 2012 إلى شهر حزيران/ يونيو 2013).
وتتلقّى مستشفيات القامشلي أحياناً تبرعات من جهات مختلفة، ويقول الطبيب ياسر أحمد الطبيب المختص في أمراض الكلى. ويقول ياسر إن “الهلال الأحمر الكردي” قدم كمية محدودة من أدوية غسيل الكلية كان قد استلمها من أكراد تركيا.
ونشأت في القامشلي خلال الأشهر الماضية سوق سوداء خاصة بالدواء الأجنبي المهرب من الدول المجاورة. ويدخل هذا الدواء الأراضي السورية من تركيا أو العراق أو إقليم كردستان العراق دون إطلاع وزارة الصحة السورية عليها للحكم على نوعيتها وجودتها وصلاحيتها ودون دفع الضرائب المترتبة على هذه التجارة أو دفع الرسوم الجمركية. وتجدر الإشارة إلى أن استيراد دواء أجنبي ممنوع رسمياً إلا في حال وجود تصريح من وزارة الصحة السورية.
ويقول طبيب مسؤول في مشفى الرحمة إن المسؤولين في المشفى لا يتردّدون في شراء الدواء الأجنبي مهما كان سعره ومصدره في حال عدم توفر البديل السوري. والسبيل الوحيد للتأكد من سلامة الأدوية هي، حسب قول الطبيب، الاطلاع على تاريخ صلاحية البضاعة والثقة بالتاجر. وكذلك يفعل الصيادلة والأطباء الذين تحدثنا معهم. طبيب في مشفى آخر في القامشلي رفض الكشف عن اسمه يقول إن بعض مندوبي الأدوية عرضوا على المشفى شراء أدوية لم يبقَ على صلاحيتها سوى أيام معدودة وإن المشفى يضطر أحياناً إلى شرائها إذا كان بحاجة ماسة إليها.
مديرية الصحة في محافظة الحسكة هي المسؤولة عن مراقبة قطاع الأدوية في القامشلي. ولكن معظم الأطباء والصيادلة الذين التقى بهم موقع “دماسكوس بيورو” قالوا إن مديرية الصحة وفرعي نقابتي الصيادلة والأطباء في المدينة باتت جميعها مشلولة. ولا يُسمح لموظفي مديرية الصحة الإدلاء بتصريحات للصحافة.
الطبيب لقمان عبد الله العضو في اللجنة الصحية بالبلدية الشعبية قال إن لدى اللجنة طموح بالقيام بمهام مديرية الصحة في الإشراف على سوق الأدوية كاملة، من الاستيراد إلى البيع. وأضاف عبد الله قائلاً إن “اللجنة بصدد تفعيل لجنة طبية لمراقبة الأدوية في السوق منعاً لاحتكار الدواء أو تداول أدوية منتهية الصلاحية، ومراعاة شروط تخزين وحفظ الدواء في المستودعات والصيدليات”.
قد يضطر بعض المرضى في القامشلي للسفر إلى إقليم كردستان أو تركيا للعلاج أو لإجراء العمليات الجراحية اللازمة كما ستفعل أم سليم. هذه السيدة التي تبلغ الستين من عمرها فضلت أن ترهن منزلها بمبلغ 200 ألف ليرة سورية لتتمكن من السفر إلى تركيا لإجراء عملية جراحية لعينيها، على أن تجازف بصحتها في إجراء العملية في القامشلي، كما تقول.
* بختيار حسن هو اسم مستعار لصحافي يعيش داخل سوريا