وعادَ الربيع إلى سراقب!
الشتول جاهزة للزرع لتعود سراقب خضراء من جديد صورة خاصة بالموقع
"عبر حملات التشجير نُعيد الربيع إلى سراقب رغم سنوات الحرب العجاف"
“المدن تعجُّ بالسيارات والغبار وآثار القصف، والأشجار هي متنفّسها الوحيد ومهرب الأهالي فيها، عدا عن المنظر الحضاري الأخضر بوجود الغابات والشجر… لكن للأسف مع غياب الجهات المعنية بحماية الثروة الخضراء صارَ البعض يلجأ إلى الأحراش ليقطع الجذوع إمّا للتدفئة في فصل الشتاء أو للصناعات الخشبية، وهذا شيء يؤذي الطبيعة ولا يوجد ما يبرّر ذلك” يقول أبو أحمد.
أبو أحمد رجل سبعيني من مدينة سراقب بدت على وجهه الحسرة، فأحراش المدينة التي قضى طفولته يلعب فيها وكان يراقبها دوماً كيف تكبر أشجارها ها هي تُقطَع. يقول أبو أحمد: “محاولات خجولة رأيناها هنا وهناك ولكن غير كافية لتعويض ما تمّ فقدانه من أشجار، لكن حملة ربيع سراقب أعادت لي الأمل”.
عن أشجار مقطوعة تحدّث أبو أحمد، وعن أشجار تُزرَع وبيئة تُحصَّن تتحدّث حملة ربيع سراقب، ففي 2 شباط/فبراير 2017 أطلق المجلس المحلي في مدينة سراقب وريفها “ربيع سراقب” بالتعاون مع الدفاع المدني السوري ومؤسسة إكثار البذار والشرطة الحرة في إدلب.
الحملة تهدف لمحاربة التصحُّر وإنقاذ الثروة البيئية التي تشهد تدهوراً كبيراً بسبب الحرب. وكذلك تسعى الحملة لدفع الواقع الصحي إلى الأمام، فالأشجار تسحب غاز أول أوكسيد الكربون وتصفّي الهواء… ومن جهةٍ أخرى، تهدف لنشر ثقافة التعاون بين أهالي المدينة عبر المشاركة في حملات التشجير، وكذلك إضفاء الجمالية على الشوارع.
بلال موسى (24 عاماً) مدير المكتب الإعلامي في المجلس المحلي لسراقب، يتحدّث عن المبادرة بالقول: “قدَّمت لنا مؤسسة إكثار البذار نحو 2000 شجرة صنوبر بديلة للأشجار التي يتم قطعها بسبب أزمة المازوت ولجوء الأهالي لقطع الأشجار كوسيلة للتدفئة. حيثُ تتم زراعتها مع الشركاء بالإضافة إلى فريق سراقب التطوعي وبمشاركة من الأهالي، ونحنُ مسرورن بهذه الخطوة فالأشجار جزء من حياتنا ومن مشهد شوارعنا لا يجب أن تختفي أو أن يلحقها ضرر”.
بدوره مدير فرع المؤسسة العامة لإكثار البذار في إدلب عمار المحمد (37 عاماً) يقول لموقعنا: “تعمل مؤسستنا بالعادة على مساعدة المزارعين في نتاجهم، أمّا العمل في إعادة التشجير فهو تتمّة لرسالتنا البيئية والوطنية ككل. كما أننا ننفّذ كمؤسسة، مشاريع التشجير في مناطق أخرى من إدلب كخان شيخون وأريحا وكفرنبل وبنش ومعرة حرمة”.
لاقت حملة ربيع سراقب ترحيباً كبيراً من فعاليات مدينة سراقب، وقد شاركَ البعض فيها عبر الموارد البشرية والبعض الآخر عبر تقديم المعدات، و”لِمَ لا؟” يسأل أحد المشاركين من الأهالي “طالما أنَّ الحملة تعود بالفائدة على الجميع”.
وكذلك تشهد الحملة دوراً كبيراً للدفاع المدني والشرطة الحرة. عدنان أبو الوليد (33 عاماً) عنصر من الدفاع المدني السوري يقول لحكايات سوريا: “لا يقتصر عملنا على إنقاذ وإسعاف وإخلاء المواطنين، إلا أننا كفرق أثبتت وجودها على الأرض في المناطق المحرّرة لدينا رؤية مستقبلية للمساهمة في إعادة إعمار سوريا، وحملة التشجير هي مبادرة نحو الأمام حتى نعيد لبلدنا ألقه ونضارته”.
أمّا أبو محمد (40 عاماً) وهو أحد عناصر الشرطة الحرة في سراقب، يقول لموقعنا: “حملة ربيع سراقب بمثابة تحدٍّ لواقع الحياة القاسي في المناطق المحرّرة، وإثبات بأنّنا كشعب سوري نحب الحياة وبأننا قادرون على بناء مستقبل بلدنا والنهوض به قُدُماً مهما بلغَ الدمار… ننتفض من جديد، ونخرج إلى الحياة من جديد كالأشجار”.
وقد تنوَّعَت أدوار كل من الدفاع المدني والشرطة الحرة في الترويج لحملة ربيع سراقب ودعوة الأهالي للمشاركة فيها، وكذلك في تحديد أماكن التشجير وتقديم المعدّات وحراسة المواد قبل الزراعة، بالإضافة إلى زراعة الأشجار وريّها.
أحد أهالي سراقب وهو الحاج خليل (65 عاماً)، يقول لحكايات سوريا: “حملة ربيع سراقب نمّت روح الجماعة والتعاون بين أبناء مدينتي، تلكَ الروح التي صرنا نفتقدها أحياناً في حراكنا الثوري… ها نحنُ نوحِّد الجهود عبر حملات التشجير نُعيد الربيع إلى سراقب رغم سنوات الحرب العجاف”.