ورشة تدريبية في التجميل لم تكتمل

نساء يتعلمن القراءة والكتابة في إحدى دورات محمو الأمية في ريف إدلب تصوير معهد صحافة الحرب والسلام

نساء يتعلمن القراءة والكتابة في إحدى دورات محمو الأمية في ريف إدلب تصوير معهد صحافة الحرب والسلام

بعد مرور اربع سنوات ونصف على وجودي في تركيا، وبعد أن بدأت المعيشه تزداد غلاءً، قررت أن أجد عملاً بأي طريقه فعمل زوجي لم يكن كافياً لسد حاجات المنزل، ولأني مللت من الجلوس!
سمعت عن دورات تنظيف بشرة وتجميل. استفسرت عن الموضوع، وأخذت العنوان وبادرت للذهاب والتسجيل دون تردد. رغبت في ان أكسب مهنة تعينني وزوجي في نفقات البيت المتزايده في هذه الأوضاع الصعبه، ولاني أحب التجميل.
ذهبت إلى المركز وهو في مدينة الريحانية، وقمت بالتسجيل، وتم اخذ عنواني ورقمي للاتصال بي في الدفعة المقبلة، ان كان هناك من مجال. كان المركز صغيراً بعض الشيء نظراً للامكانات المادية القليلة، فلا يتم قبول الا بعدد محدد من المتقدمات.
لم اكن اتوقع ان يتم قبولي بسرعة، خاصة بعد أن عرفت بمدى صعوبة الأمر وكثرة الطلبات. قلت في نفسي ان العدد غالبا يكون كبيراً ولن يكون لي نصيب في الاستمرار.
مضى اكثر من اسبوعين ولم يتم الاتصال بي. وبعد مضي شهر على تسجيلي في دورة التجميل وصلني اتصال بأنه تم قبولي من ضمن المجموعه القادمه، ويجب ان ابادر بالذهاب إلى لدفع الرسوم ومعرفة المواعيد.
كانت المجموعه مكونة من 13 امرأة فقط. ولصغر مساحة المركز لا يتم قبول إلا عدد محدد. كنت سعيدةً جداً بأنه تم اختياري. وكنت متحمسة اكثر للذهاب ومباشرة التدريب، ولأنني ربما وجدت نافذةً ولو صغيرة لإعانة عائلتي.
حددت لي السكرتيره التي اتصلت بي يوماً وساعة للذهاب للمركز لدفع تكاليف الدورة ومعرفة مواعيدها. كان مبلغاً رمزياً تقريباً. ذهبت في اليوم والساعة المحددة، كان المركز يبعد حوالي النصف ساعه عن بيتي. المسافة بعيدة بعض الشيء نظراً لصعوبة المواصلات.
وصلت الى المركز سألت عن غرفة المدربه وفتحت الباب. كانت هناك ومعها بعض المتدربات وصلن قبلي. جلسنا حتى تصل باقي المتدربات. وفور وصولهن بدأت المدربة تعرفنا عن نفسها وطلبت ان تعرف عن كل واحده عن نفسها.اسمها، عمرها،عملها.
كان الدرس الاول جلسة تعارف فقط، وبعد الانتهاء منها دفعنا رسوم التسجيل وتحددت الأيام التي ستكون فيها دروس التجميل. وكانت ثلاثة ايام في الاسبوع، لان المركز يقام فيه ايضاً دورات دعم نفسي ولغة تركية.
عدت الى البيت وكنت متلهفة بإنتظار كيف سيكون الدرس القادم، وماذا سنتعلم، وهل سأنجح في هذا العمل!؟
جاء موعد الدرس المحدد وذهبت بحماس أكبر. بدأت المدربه تشرح لنا أقسام الوجه وأسماء العظام، على شاشة كبيره كانت مثبته بغرفة خاصة للدروس. وكان الكل مشدود الانتباه للمدربة فقد كانت لطيفة وعفوية وتعطي الدرس بسلاسة.
ارتحت قليلاً بعد الدرس الأول، لأني لم أجد الامر بهذا التعقيد الذي توقعته. كان خوفي شيئاً لا داعي له. درساً بعد درس، وأسبوعاً بعد الآخر يزداد حبي لهذه الدروس. وكنت انتظر الدرس بفارغ الصبر. تعرفت على جميع المتدربات ومدنهن واماكن اقامتهن وظروفهن المعيشة وسبب قدوم كل واحدة لمثل هذه الدورات. كانت غالبية المتدربات نساء شهداء. اتين لتجدن مصدراً للرزق.
الجو العام كان لطيفاً ومريحا جداً. الضحك لا يفارق المتدربات، والحديث عن المواقف التي مرت بها كل واحده منهن. وأحيانا يحضر بعض الزبائن وتوكل المدربة واحدةً منا لتقوم بالعمل عليها. وغالباً تتنازل المتدربات عن هذا العمل لي.
كنت اقبل بكل امتنان وفرح. وما يسعدني اكثر ان الربونة دائماً تخرج سعيدةً وراضيه بالنتائج التي حصلت عليها. وتعود للمركز وتطلبني لأعيد لها العمل، كان هذا الأمر يسعدني ويعطيني ثقة بنجاحي ودافعاً قوياً للإستمرار في هذا المجال.
كنت الاكثر حماساً واجتهاداً بين جميع المتقدمات. تعلمت العمل بسرعة كبيرة وقبل ان ينتهي برنامج الدورة المقرر بخمسة اشهر، كانت لدي معرفة سابقة بكثير من الأشياء من خلال شبكة الأنترنت. فلم اجد صعوبة في تعلم أي درس بشهادة مدرسة التجميل والنساء المتدربات معي في المركز والزبائن أيضاً.
المدربة كانت دائماً تثني على سرعتي في تعلم أي درس جديد. وتتوقع لي مستقبلاً جيداً لو استمريت بهذا الحماس والدقة في العمل.
كان برنامج الدورة خمسة اشهر، كل شهر يكون هناك امتحان وتتنتقل المتدريات المتفوقات لمرحلة متقدمه. ولكن رغم نجاحي لم استطع إكمال الشهرين الأخيرين بسبب الظروف المادية التي مر بها المركز. فلم يعد الدعم كافياً لتكاليف المكان والموظفين. فكان يجب ان يغلق بسبب هذا العجز.
رغم كل هذا كنت سعيدة بهذه التجربة التي لم تكتمل. ولكني اكتسبت فيها معلومات جديدة وصديقات جدد. وغيرت ولو قليلا من الروتين الذي كنت أعيشه طيلة هذه السنوات. اتمنى ان يعود هذا المكان كما كان، أو أن يتم إفتتاح مركز مشابه ٍلاستطيع إكمال ما بدأت به، وايجاد عمل في المجال الذي احبه.

ريم سعيد (38 عاماً) ربّة منزل وأم لطفلة واحدة. ريم لاجئة الآن في تركيا.