وجع الأم السورية المضاعف
Syrian families have suffered great losses throughout the revolution. Photo by: Sama Bitar
على مدار سنين طوال من الثورة السورية التي نادت بالحرية ورفع الظلم عن المدنيين، كان دور الأم فيها من أعظم الأدوار. كانت الأكثر تضرراً ووجعاً، فهي الشهيدة وأم الشهيد وزوجة الشهيد وأخت الشهيد، ناهيك عن تعرضها للاعتقال والمعاناة والخطف الذي جعل صفحات السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي حافلة بوجع مضاعف. الأم تتذكر ابنها الغائب عنها منذ سنين، وعلى اختلاف الانتماءات السياسية والدينية، فحزن الأمهات هو نفسه.
أم هاني من ريف إدلب (45 عاماً) رافقت جثمان ابنها هاني إلى المقبرة، تقول: “لعل أكثر الأشياء وجعاً أن تشارك الأم في تشييع جسد ابنها الشهيد، أو أن تحمله على رأسها وبين يديها وهي لا تستطيع أن تقدم له المساعدة.. تمنيت لو أفديه بروحي وجسدي أو أسبقه للقبر. قبل أن تشاهد عيناي جثمانه الفتي يدفن تحت التراب.. آه يا لها من لحظات مؤلمة تحفر في القلب الحزن والأسى، وترسم للمستقبل سواد ليالي الفراق لأم بات نهارها أشد ظلمة من ليل شتاء بارد”.
في سوريا الجريحة سجلت مئات الحالات لأمهات فقدن أكثر من ولد من أولادهن، منهن من فقدت أربعة ومنهن من فقدت ستة.
بيدها المرتعشة تمسح أم هاني دموعها السخية من مرارة الحديث، وتعود لتكشف عن حال ابنها الثاني سامر، الذي لم تعد تعرف عنه شيئاً من لحظة اعتقاله في طريق عودته من المدينة إلى الريف على أحد الحواجز، التي كانت منتشرة وبكثافة قبل تحرير مدينة إدلب بعدة أشهر تقول أم هاني “ألم كبير لفقد ولدّي يمنع عينيّ من النوم ويحرق أنفاسي من الألم.. كلما سمعت بخروج أحد المعتقلين من سجون النظام، أسارع عند الصبح الباكر وقبل أن ينهض ذلك الناجي من أيدي الظالمين من فراشه، لعلّي أجد في حديثه ما يدلني على مكان ابني الذي لم يكمل 18 من عمره. كان يحضر لتقديم شهادة الثانوية قبل أن يساق للإعتقال… آه لم تعد دراسته التي كان يحلم بها بنيل أعلى الدرجات بالأمر المهم، بل باتت سلامته ونيل الحرية الحلم الأكبر الذي يدفعني دائماً إلى الدعاء المستمر والتضرع إلى الله على أمل أن يعود… لا أريد أن أتحدث عن الوساوس التي تراودني ليلاً وتخوفي المستمر من أن يكون نظام بشار وجبروت زبانيته قد نال من جسده النحيل وأنهى حقدهم الدفين على أنفاس ولدي ليكون شهيداً آخر من أبنائي… لكن سرعان ما يدفعني الأمل والانتظار لمعاودة الدعاء بالفرج القريب بعون الله”.
ورغم الآلام التي تسكن قلب أم هاني إلا أن تصميمها على استمرار الثورة لم ينتهِ. وتؤكد أن كل قطرة دم سقطت من ابنها هاني على الأرض لا يجب أن تذهب هدراً، وأنات ابنها المعتقل تحتاج لمن يسعى ويناضل من أجل تحقيق الحرية لمن كان خلف القضبان يعاني.
تعود الأم لحديثها الذي يأبى أن يفارق دموعها “أحن لأيام كانت برفقة ولدًي كانت أسعد الأيام حين هتف سامر بصوت عالٍ في ساحة الحي مع رفاقه بأغاني الثورة المشتعلة ضد نظام متأصل في الهمجية والقمع. ينادون بالحرية للمعتقلين وبحياة كريمة… آه يا صغيري أصبحت من بين أولئك المعتقلين وصار من واجب رفاقك الهتاف لك أيضاً… آه كم أشتاق لسماع صوتك الحنون”.
تبقى الأم السوية تتوقع في أي لحظة تصاعد الهمجية من نظام تزداد لهجة العنف لديه. تخشى أن تفقد ولداً آخر من أولادها وتستعد كثيراً لهذه اللحظة العصيبة، لكنها تأمل من الله زوال تلك الحرب والسلامة لمن بقي بالدعاء المتواصل بالفرج القريب.
بعد أن أنهت أم هاني حديثها معي عادت لتسبيحات الدعاء المتواصل كونها تحتاج لمزيد من الصبر.
سما بيطار (41 عاماً) من إدلب، حاصلة على الشهادة الثانوية. متزوجة وأم لأربعة أبناء. عملت في الجمعيات الخيرية لمدة عشر سنوات.