واقع إغاثة دير الزور في عهد الخليفة
حزينة صامتة وقفت أم قاسم (42 عاماً) في الطابور الطويل تنتظر دورها البعيد في توزيع السلات الغذائية. أم قاسم التي شيعت ابنها شامخة دون دموع تقف اليوم مكسورة ذليلة تنتظر حلما على هيئة صندوق كرتوني طبع على أحد جوانبه “ديوان الصدقات في الدولة الإسلامية”، هذه المساعدات العينية هي الأولى التي يقدمها التنظيم في إطار مبادرته هذه.
أم قاسم كما غيرها كثر بدأوا يعيشون نوعا جديدا من المعاناة تضاف إلى مآسيهم الأخرى، منذ قررت الدولة الإسلامية إغلاق كافة مكاتب المنظمات والمؤسسات الإغاثية ووقف أنشطتها في الجزء الخاضع لها من مدينة دير الزور في بداية شهر تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2014 .
عن أسباب توقف المعونات تقول أم قاسم “الدولة الإسلامية تريد تجويعنا ومحاربتنا بلقمة عيشنا كي لانفكر أبدا بالخروج عليهم إنهم يكرون باسلوب الأسد تماما”.
لكن أحمد يونس 39 عاما ،بقال الحي وجار أم قاسم يعتقد أن “الدولة الإسلامية تبذل قصارى جهدها في تأمين متطلباتنا الأساسية لكنها لا ترغب في تلقي الدعم من جهات أجنبية كافرة لديها أجنداتها الخاصة.
في الجزء الخاضع لسيطرة الدولة الإسلامية من مدينة دير الزور يقطن حوالي 40ألف نسمة بحسب إحصاء تقريبي في الشهر السادس من العام 2014، أبلغنا عنه رئيس مكتب المشاريع في للمجلس المحلي .وحتى تاريخ سيطرة الدولة الإسلامية على المدينة منتصف شهر تموز/يوليو من العام الماضي كانت المنظمات والمؤسسات الإغاثية تعمل بمبدأ تقاسم الأحياء. حيث التزمت كل جهة أو منظمة بقطاع ما أو بحيز جغرافي لتلبية احتياجاته المحددة أو المواد الأساسية. ومن هذه المنظمات: روافد، نماء، إحسان، هيئة فرات الموحدة، هيئة الشام الإسلامية، تنسيقية دير الزور، بنيان، ديرنا، أبناء الفرات العظيم وغيرها…
وكانت هذا المنظمات تتنافس في ما بينها من أجل تقديم خدمات أفضل، فطورت بعضها نشاطاتها من مجرد توزيع السلال الإغاثية والإعانات النقدية إلى افتتاح مشاريع خدمية وتنموية، مثل افتتاح المدارس وإعادة تأهيل الآبار، وحملات تنظيف الشوارع والمساهمة بحملات اللقاح التي حصلت في المدينة.
“كل هذا تغير مع دخول الدولة الإسلامية. انقلب واقع الإغاثة رأسا على عقب فور دخول مقاتلي دولة الخلافة وسيطرتهم على المدينة. عمدوا إلى انشاء ما يسمى بديوان الصدقات، حيث بات هذا الديوان هو الجهة المسؤولة عن الإغاثة في المدينة. وعمد أمير الصدقات إلى جمع ممثلي المنظمات الإغاثية في بداية شهر آب/أغسطس للتشاور في شؤون الإغاثة”. بحسب ما أوضح أبو ذر رئيس إحدى المنظمات الإغاثية.
ويقول أحمد الذي كان يمثل منظمة إغاثية أخرى في الاجتماع “كان الهدف هو طرح شروط الدولة الإسلامية لاستمرار المنظمات الإغاثية بالعمل، وهي الحصول على ترخيص خطي من ديوان الصدقات، التزام كل منظمة بتقديم ذمة مالية، تعهد كل منظمة بتقديم نصف إيراداتها العينية والنقدية لديوان الصدقات في الدولة”.
في ظل هذه الشروط لم تستطع الكثير من المنظمات الاستمرار بعملها، أكان بسبب الأوضاع أو قلة الموارد المالية، ما أدى إلى تدهور الوضع الإغاثي في المدينة وتحمل المنظمات الباقية لأعباء إضافية. ويضيف أبو ذر “اضطررنا لسد النقص الحاصل بتكثيف جهودنا، وتقليل كميات المواد المقدمة في كل سلة لبلوغ عدد أكبر من السلال وتوزيعها على أكبر عدد ممكن من العائلات. واضطررنا لإيقاف بعض مشاريعنا الخدمية واستخدام ميزانيتها في دعم عمليات الإغاثة”. قوانين الدولة الإسلامية الصارمة كان لها الدور الأكبر في ازدياد معاناة المنظمات وبالتالي المواطنين.
على مقلب الدولة الإسلامية يبدو المشهد مغايراً “المساعدات المقدمة من المنظمات الأجنبية وجدت لتزرع الفرقة بيننا، فالمال يشوه النفوس. وعلى الناس أن تحتمل ضنك العيش في سبيل إقامة دولة الاسلام” يقول أمير الدولة الإسلامية في مدير الزور أبو عزيز.
غير أن سببا آخر لا يقل أهمية ساهم في تدهور أوضاع الإغاثة في المدينة وهو إحجام الداعمين عن الدخول والعمل في مناطق يسيطر عليها مقاتلو الدولة الإسلامية. هذا الواقع يعبّر عنه الدكتور مازن وهو المدير التنفيذي لإحدى المنظمات التي أوقفع دعمها المالي ويقول () “أغلب المنظمات والجمعيات الداعمة هي عبارة عن وسيط بين الداعم الأساسي والمنفذين على الأرض، بالتالي قرارنا ليس بيدنا والخشية من الملاحقة القانونية بتهمة الإرهاب هو ما يجعل إمكانية العمل داخل أراضي الدولة الاسلامية من المستحيلات”.
لكن منظمات مثل MRFS و Syria Reliefما تزال تعمل في مناطق سيطرة الدولة الإسلامية، ولهذه الجهات أسبابها حيث ترى ماريانا المسؤولة في منظمة Relief International أن استمرار تقديم الدعم للمدنيين في تلك المناطق يعد أولوية بالنسبة لها وأن قراراً سياسيا حاسما لم يصدر بهذا الشأن، ولكنه قد يصدر في القادم من الأيام”.
قرار مجلس الأمن بتجفيف منابع دعم تنظيم الدولة الإسلامية، ورغم أنه لم يؤدِّ إلى توقف تقديم المساعدات الإنسانية، بالإضافة لقرار الدولة الإسلامية إغلاق مكاتب كافة المنظمات الإغاثية والاستيلاء على ممتلكاتها، كل هذا يجعل عمل المنظمات الإغاثية الصامدة في المدينة حتى اللحظة عملا شبه مستحيل.
عن هذا الواقع الخطير يقول أبو ذر “نحن مهددون بفقدان حياتنا، نعمل بشكل مجموعات سرية لا تعرف إحداها شيئا عن الأخرى، نوزع أعمالنا على مدار الساعة كي لا يشعر من حولنا بنشاط زائد، لا نستخدم الآليات نهائيا في عملنا كي لا نلفت الانتباه”. ويضيف “هناك من يتحرّق لإيصال المساعدات لنا، وهناك من يتحرّق لإيصالها لمستحقيها، وهناك من يحترق بنار العوز والجوع”.
منظمتان فقط ما زالتا تعملان في الجزء الخاضع لسيطرة التنظيم من مدينة دير الزور ،لايخشون بطش الدولة الإسلامية الجائرة، ولا يرجون استيقاظ ضمير العالم من حولهم إلا بقدر حرصهم على عدم انجرار الجوعى المظلومين للتطرف وعلى رغبتهم في ابقاء أم قاسم واقفة شامخة كما عرفها آلاف الديريين