وأصبح لي منزلي أنا وزوجي وابنتي
رجل كبير في السن يجلس في أحد أحياء مدينة زملكا التي تعرضت للقصف المباشر بالصواريخ الكيماوية في عام2013. الصورة بتاريخ 20-08-2017.
"بعد فترة بدأت الاعتياد على حياتي الجديده، الحياة التي حلمت بها طويلاً. أن يكون لي منزلي، وأكون فيه مرتاحه، أتحرك فيه بحريتي، أطبخ ما يعجبني وأنام الساعة التي أحددها"
كان زوجي قد اتم 5 سنوات في عمله، وأحوالنا بدأت تتحسن، وابنتي تكبر. وكانت الغرفة التي نعيش فيها مع أهل زوجي صغيرةً جداً، لا يتجاوز طولها 3 أمتار، وعرضها المترين نصف، بالكاد تتسع للنوم. فيها نافذه واحدة.
كن بحاجة لمكان أوسع، وابنتي بلغت العاشرة من عمرها، ولا بد ان يكون لها غرفة مستقلةُ عنا. الوضع المادي أصبح أفضل، وصار بمقدورنا أخذ بيت مريح أكثر. والأفضل أن يكون طابقاً أرضياً أو ثانياً كأقصى حد.
منزلنا الذي نقيم فيه يقع في الطابق الرابع، وكانت حاجيات البيت كثيره، ولا يوجد مصعد في البناء، وقد نضطر لنزول الدرج وصعوده عدة مراتٍ في اليوم. كان الامر متعباً علي وعلى والدة زوجي التي كانت تبلغ 53 من عمرها. وكانت اكثر من يحضر حاجيات المنزل.
إقترحت على أهل زوجي أن نبحث عن بيتٍ أوسع، ولكنهم رفضوا، مبررين رفضهم أن صاحب المنزل الذي نقيم فيه رجل جيد، ولن نجد مكاناً أفضل من هذا المكان. وأن أمر الدرج لا يستحق الكلام فيه. وكان من الصعب أن أتركهم وأسكن وحدي، لأن زوجي هو الوحيد الذي يعمل بين إخوته.
قررت أن أسكت حتى يجد أحدهم عملاً، ومن ثم نخرج لنسكن وحدنا. في النهايه هذا هو الصواب. كان اثنان من أخوة زوجي يسكنان معنا، أعمارهما 18 عاماً و 16 عاماً.
وكان من الصعب علي أخذ حريتي في المنزل، يجب أن اكون دوما منتبهه إلى لبسي وحركتي وكلامي، كان هذا أمراً مرهقاً جداً. ويشكل ضغطاً كبيراً علي، وكنت لا استطيع حتى معاقبة ابنتي ولا تربيتها كما اريد، كانت دائماً تحتمي بأحد الأقارب.
بعد عدة أشهر من التفكير كيف سأكون وحدي مع زوجي وابنتي، وكيف سأترك أهله وحدهم دون معيل، وجد ابن عمي الكبير بينهما، عملاً براتب جيد، يساعدهم في مصاريف المنزل. كانت فرحتي بعمله أكثر من فرحة أهله به.
أخيرا سأبحث عن المنزل، طبعاً لم يكن الأمر بهذه السهولة، كان يجب أن أجد منزلا قريباً من أهلي أو أهل زوجي أو إحدى أخواتي. لأن عمل زوجي كان يتطلب منه أن يتغيب ساعات طويلة عن المنزل، وربما يضطر للنوم خارج البيت. فلا بد ان يكون إلى جواري أحد الأقارب، لو حصل أي طارئ لا سمح الله.
بدأت أسأل الجيران والمقربين عمّا إذا كانوا يعرفون منزلاً جيداً وأصحابه أناس طيبين. وضعت خبراً في عدة مكاتب عقارية ولكن اشترطت أن يكون المنزل في أماكن محددة. طال الحال بنا عدة أشهر ولا جدوى من إيجاد منزل.
أخبرني الأصدقاء عن عدة منازل، ولكنها لم تكن مناسبة أبداً. بعضها كان وضعها سيئاً وإيجارها غالياً جداً. والبعض الآخر في أماكن مشبوهة أو مخيفة وبعيدة عن معارفنا. أحسست أن المدينة خلت من البيوت الفارغه للإيجار. وأن الأبواب كلها أُغلقت في وجهي.
لم أدر ماذا أفعل، فقررت أن أستريح من تعب البحث فترة من الزمن. ربما يترك أحد سكان المنازل بيتهم فجأه ويكون من نصيبي. بعد عدة أيام على توقفي عن البحث، اتصلت أختي تبشرني أن هناك منزلاً جيداً لدى جارتها، وهو قريب عليها.
كانت صاحبة المنزل أرملة، تسكن مع ابنها وابنتها فقط. ويريدون عائله صغيرة تسكن معهم. فهم لا يحبون الصوت العالي، كغالبية الأتراك. ذهبت مع أختي لنتفحص المنزل. وكان بالفعل منزلاً جيداً جداً، مكون من 3 غرف ومطبخ وحمام. كان يبدو جديداً، وأفضل مافي الامر أنه قريب من منزل أهلي وأختي.
سألت عن صاحبته وعن الجيران، الكل أخبرني أنهم أناس جيدين والجيران كذلك. طلبت السيده إيجاراً غالياً بعض الشيء. ولكن بعد نقاشات طويلة ومساومة استطعنا أن ننزل قليلاً من المبلغ الذي طلبته. اتفقنا وأخذت منها مفاتيح المنزل.
في اليوم التالي حضرت إلى المنزل وبدأت بتنظيفه مع إخوتي. وذهبت إلى السوق لشراء ما يلزمني، كانت تلزمني أشياء كثيرة جدا، إذ أنني كنت اسكن مع اهل زوجي ولا أملك الكثير من الأدوات الخاصةٍ بالمنزل عامة وبالمطبخ خاصة.
أتممت شراء حاجيات المنزل بعد أقل من أسبوع، وبدأت بترتيب البيت. كان أمراً صعباً أن أخرج من منزل أهل زوجي، فقد مضى على إقامتي معهم ما يقارب 10 سنوات. كنت في سوريا أيضا أسكن معهم في نفس المنزل. تعودنا على بعضنا. ودّعت أهل زوجي وأخذت ما تبقى من أغراضٍ لي ومشيت.
إنها الليلة الأولى لي بعيداً عن غرفتي التي عشت فيها سنوات. شعرت بالغربة والوحشة في أول أيامي في هذا المنزل.
بعد فترة بدأت الاعتياد على حياتي الجديده، الحياة التي حلمت بها طويلاً. أن يكون لي منزلي، وأكون فيه مرتاحه، أتحرك فيه بحريتي، أطبخ ما يعجبني وأنام الساعة التي أحددها. مهما كان أهل الزوج جيدين إلّا أنني كنت مقيدة بهم، بموعد الإفطار والغداء والعشاء.
اليوم أتممت السنة والنصف على سكني في منزل مستقل. لم تواجهني أي مشكلة مع أصحاب المنزل حتى الآن، متفقين في ما بيننا. تعرّفت على جارةٍ طيبةٍ جداً أحسبها اختاً لي. نزور بعضنا يومياً، نشرب القهوة، نضحك، ونساعد بعضنا في حال احتاجت إحدانا لذلك. سعيدةٌ جداً أنا.
مريم احمد (35 عاماً) متزوجة وأم لطفلة واحدة وتبحث عن عمل.