هل النفط السوري بأيدٍ أمينة؟

هزاع عدنان الهزاع

 (كفرنبل، سوريا) – الرجل الستيني أبو ناصر، الذي عمل لأكثر من ثلاثين سنة سائق باص، بين حلب ودمشق، أو حمص وإدلب، يتساءل عن مصير النفط السوري، ويعتقد أن المعارضة باتت تستثمر معظم النفط لمصلحتها الخاصة، واصفاً قادة الكتائب المسلحة بأنهم “تجار جشعون”.

ويقول: “لا فرق، آل الأسد كانوا يأخذونه، واليوم يأخذه كبار الثوار. لا فرق. سيبقى الشعب محروماً”.

مخزن لبيع الغاز في كفرنبل. تصوير: هزاع العدنان
مخزن لبيع الغاز في كفرنبل. تصوير: هزاع العدنان

منذ أواخر العام 2012 توجهت أنظار المعارضة المسلحة باتجاه حقول النفط، وبعد عام باتت تسيطر على معظمها، في الوقت الذي تراجع فيه إنتاج النفط من قبل حكومة دمشق بنسبة 96 بالمئة، من 385 ألف برميل يومياً قبل منتصف آذار/ مارس 2011، إلى 14 ألف برميل يومياً في عام 2013 بحسب تقارير إعلامية. وتستثمر المعارضة جزءاً من هذه الحقول، ما يثير تساؤلات بين الناس حول الوجهة التي تذهب إليها عائدات النفط.

يبلغ عدد آبار النفط في سوريا حوالي 2900 بئر، موزعة على حوالي 50 حقلاً، تتركز في الربع الشمالي الشرقي من سوريا. أهم هذه الحقول، من الشمال الشرقي باتجاه الجنوب الغربي، حقول منطقة الرميلان، وهي سبعة، تسيطر عليها مجموعات كردية مسلحة. تليها حقول منطقة الحسكة-الشدادة، وهي تسعة حقول، تسيطر عليها فصائل معارِضة وخاصة تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش).

وينتشر نحو 17 حقلاً على جانبي الفرات، ما بين معدّان والبوكمال، أهمها حقل العمر الذي تسيطر عليه “جبهة النصرة”، وحقل التيم الذي تسيطر عليه “داعش”. هذان الحقلان هما الأهم في سوريا، يمتازان بجودة نفطهما (خفيف)، وكانا ينتجان ربع النفط السوري تقريباً قبل الثورة، بحسب مهندس بترول سوريفضّل عدم ذكر اسمه، أمضى تسع سنوات يعمل في تلك الحقول. تأتي بعد ذلك حقول منطقة الرصافة-جبل البشري، وهي عشرون حقلاً، تسيطر المعارضة على معظمها.

ثم تأتي أخيراً حقول المنطقة الوسطى، وهي ثمانية، يتقاسم النظام السيطرة عليها مع المعارضة. ومن هذه الحقول حقل الشاعر، الذي ينتج النفط الخفيف، الذي يقع شرق حمص بنحو 150 كيلومتر، والذي انتزعه “الجيش الحر” (“لواء صقر قريش”، “لواء شهداء سورية”، “لواء أحفاد الرسول”) و”الجبهة الإسلامية” (“صقور الشام”) من القوات الحكومية في أيلول/ سبتمبر 2013.

في شباط/ فبراير 2014 سيطر تنظيم “داعش” على هذا الحقل بعد معارك قتل فيها حوالي 30عنصراً من “الجيش الحر” و”الجبهة الإسلامية”، منهم القائد العسكري لـ”لواء صقور الشام” حسين الديك.

قائد “لواء صقر قريش” محمود العكل، وهو كان يعمل سابقاً مدرّساً للتربية العسكرية في المدارس الحكومية، تحدث عن تلك المعارك وقسوتها. في تلك الصحراء الجبلية القاسية، سيطرت “داعش” على التلال العالية، وحاصرت عناصر “الجيش الحر” و”الجبهة الإسلامية” لأسبوعين تقريباً، ومنعت عنهم الإمدادات، وتصدت لأرتال المؤازرة المرسلة من ريف إدلب، وأوقعتها في كمائنها.

يعتقد العكل أن “داعش” لم تنتصر على “الجيش الحر” في جبل الشاعر، برغم السيطرة الميدانية، مضيفاً ان انسحاب “الجيش الحر” كان وفقاً لمتطلباته ويضيف: “قتلنا من “داعش” حوالي 70 عنصراً”.

يرى العكل أن “من حق “الجيش الحر” أن يستثمر الآبار التي يسيطر عليها في ظل انعدام مصادر التمويل وقلة الدعم الخارجي”.

استثمر “الجيش الحر” (لواء صقر قريش، لواء شهداء سورية، لواء أحفاد الرسول) في حقل الشاعر، وعلى مدى أربعة أشهر، بئرين فقط، بعد أن عوض أهالي المنطقة، الذين تضرروا نتيجة المعارك مع النظام، بدفع 38 مليون ليرة سورية، أي حوالي 224,000 دولار، بحسب القائد الميداني في “الجيش الحر” جهاد الزعتور، الذي ظل هناك طوال مدة الاستثمار. الزعتور أوضح أن البئرين كانا ينتجان يومياً نحو ألفي برميل، وكان البرميل يباع خاماً بحوالي ستة آلاف ليرة سورية (حوالي 35 دولار) للتجار.

ولفت الزعتور إلى أن “لواء صقور الشام”، التابع لـ”الجبهة الاسلامية”، “كان ينتج يومياً حوالي2000 برميل من أربعة آبار” سيطرت عليها في ذلك الحقل.

سعة البرميل كمقياس لدى المعارضة 220 لتر، بخلاف البرميل الأميركي الذي يقدر به حجم النفط في دول العالم، والذي يتسع لـ 159 لتر.

من أجل استخراج المازوت والبنزين وزيت الكاز، يعتمد مستثمرو نفط المعارضة غالباً أدوات بدائية مثل الحراقات والمصافي الكهربائية الصغيرة، التي لا تتجاوز مساحة الواحدة منها 1000 متر مربع (دونم). وهي تعمل على مبدأ الفصل الفيزيائي بين مشتقات النفط، بحسب درجات الغليان.

زكريا عبيدو (37 عاماً) صاحب حرّاق لتكرير النفط، يتسع لستة براميل، ويعمل فيه ستة أشخاص، في ريف إدلب. يقول عبيدو إنه يشتري النفط الخام من سوق مسكنة التي تقع شرق حلب بحوالي 100 كيلومتر، بأسعار “تتراوح بين 10,000 ليرة (59 دولار) و17,000 ليرة سورية (100 دولار)” للبرميل الواحد. ويضيف: “نكرر يومياً 12 برميلاً”. ولفت عبيدو إلى أن ربحه بالبرميل الواحد لا يتجاوز ألف ليرة سورية أي حوالي ستة دولارات.

مشتقات نفط الآتية من آبار المعارضة متوفرة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في شمالي سوريا، وعدد المحلات التي تبيعها في مدينة كفرنبل، التي يقارب عدد سكانها 30,000، يتجاوز 25 محلاً.

يوجد في هذه المحلات ثلاثة أنواع لمازوت المعارضة، أجودها “الأصفر” الذي تراوح سعر اللتر الواحد منه حول 80 ليرة سورية في الصيف الماضي (يتقلب سعر صرف الدولار ما بين 150 و170 ليرة)، ووصل لـ110 ليرات في الشتاء، يليه “العسلي” الذي تراوح سعر لتره حول 60 ليرة في الصيف، ووصل إلى  90 ليرة في الشتاء.

“الأصفر” و”العسلي” يمكن الاعتماد عليهما في تشغيل المحركات، كمولدات الكهرباء والسيارات.

أما النوع الثالث، فهو “الأسود”، وهو مازوت سيئ، ذو رائحة كريهة، لا يصلح للمحركات، لم يتجاوز سعر لتره في الصيف 50 ليرة، وتجاوز الثمانين في الشتاء.البنزين الآتي من هذه الآبار يتوفر أيضاً في تلك المحلات، ولكن بنوع واحد فقط اسمه “بنزين مكرر”، يمكن استعماله في المحركات، ويتراوح سعره حول 100 ليرة سورية للتر الواحد.

ولا تخلو كفرنبل من المازوت الحكومي (أو كما يطلق عليه، “النظامي”) الذي تراوح سعر لتره في الصيف الماضي حول 100 ليرة سورية، ووصل في الشتاء إلى 150 ليرة سورية. هذا المازوت لم يعد يستعمل في التدفئة لدى معظم سكان كفرنبل، ويقتصر استعماله على المحركات التي لا يثق أصحابها بـ”مازوت المعارضة”، نتيجة عدم خلوه من الشوائب والاختلاطات، لأن مصافي المعارضة، وإن كانت قادرة على الفصل الفيزيائي، فهي غير قادرة على المعالجة الكيميائية التي تجعل كل مشتق من مشتقات النفط نقياً تماماً. كما أن هذه المدينة لا تخلو من البنزين الحكومي الذي يبلغ سعره حوالي 200 ليرة سورية للتر الواحد.

العقيد في “لواء صقر الشام ” جمال النعسان لا يتفق مع أبي ناصر، سائق الباص من كفر نبل، على أن قادة الكتائب تحولوا إلى تجار نفط، ويقول: “هدفنا ليس التجارة بالبترول، وإنما حرمان بشار الأسد منه”. ويضيف: “عندما تعلم بقلّة الدعم المالي الذي يتلقاه الثوار، عليك أن تعذرهم حينما يتجهوا لتحرير حقول النفط من آل الأسد واستثمارها”.