هذا ما حصلَ لأولادِ عتاب!

عائلة نازحة من كوباني الى الشيخ مقصود

عائلة نازحة من كوباني الى الشيخ مقصود

بعدما نزحتُ إلى منطقة بروما في ريف إدلب الشمالي، على أثر دخول الجيش إلى مدينتي إدلب، وذلك في العام 2013… تعرّفت هناك على أسرة مكوّنة من أخّين، هما فكري وهيثم. كانا يعيشان معاً في منزلٍ واحدٍ مع عائلتيهما، وكانا من المقاتلين في المعارضة الإسلامية.

 

فكري أب لخمسة أطفال، وهيثم لديه سبعة. بعد مرور سنة، على لقائي بهما استشهدَ فكري في 27 آذار/مارس 2014 في إحدى المعارك.  زوجة فكري وتُدعى عتاب، بقيت في المنزل الموحَّد وقضت عدّتها فيه. كان يفصلها ستار من القماش عن عائلة هيثم.

 

كان هذا الحل هوَ الأنسب، كي يعتني هيثم بأولاد أخيه ويُعيلهم رغم ضيق الحال، وفي آن كي لا تبتعد عتاب عن أطفالها. عاشوا معاً، ولم تكن عتاب تستطع الخروج من خلف الستار، أثناء وجود هيثم في المنزل، كما لا يجب أن ترفع صوتها عالياً.

 

ومن خلف الستار، كان هيثم يروي لزوجة أخيه أحاديث عن مكانتها كزوجةِ شهيد وأمِّ أيتام… وكانت تقول لنا أنها حين تستمع للأحاديث، كانت تبكي بصمت، فلا يجوز أن يرتفع صوت بكائها بحضور هيثم لأنها في فترة العدّة.

 

بعد سيطرة المعارضة على إدلب، استشهد هيثم في معركة أريحا… وكان مصيره كمصير أخيه فكري.

هنا انفصلت العائلتان عن بعضهما… زوجة فكري وأطفالها الخمسة في منزل، وزوجة هيثم وأطفالها السبعة في منزلٍ آخر.

بعد فترة توفي شقيق عتاب، فاحتضنت أطفال أخيها بسبب زواج والدتهم. أصبحت عتاب مسؤولة عن أولادها وأولاد أخيها!  وضاقت بها الحال، لأنها تريد أن ترعى هؤلاء الأيتام، فتقدّمت للعمل في المحكمة الشرعية، لتفتيش النساء أثناء دخولهن المحكمة. وكانت عتاب تُعاني بالأساس من قسوة والدة فكري عليها وتدخّلها بشؤون أولادها.

وبعد فترة وجيزة، تقدّم أحد المقاتلين الإسلاميين للزواج من ابنتها الكبرى، وعمرها 15 عاماً. فقامت عتاب بتزويجها. كما أتمّت خطوبة الإبنة الثانية (13 عاماً) من مقاتل إسلامي آخر.

 

قصف النظام المحكمة التي تعمل فيها عتاب، واستشهدت… وكان ذلك في 2 كانون الثاني/يناير 2016.

مضى يومان على وفاة عتاب، فحضرت الجدة لتأخذ الفتاة المخطوبة، وعملت على فسخ خطوبتها. فرفضت الفتاة مرافقتها، وزادت المشاكل مع جدتها.

 

هنا قررا زوجة هيثم وزوج الأخت الكبرى تزويج الفتاة المخطوبة فوراً! وتزوّجت الفتاة إبنة الـ 13 عاماً بعد يومين فقط من وفاة والدتها، خوفاً من ظلم جدتها…  بكت كثيراً، لأنها لم تكن مُهيأة لذلك، خاصة وأنّ أمها متوفية قبل يومين! وعاشت وزوجها مع أختها وزوجها، ومع إخوانهم الصبية الثلاثة. كان أعمار الصبية، 12 عاماً، 9 أعوام وثلاث سنوات.

 

بعد فترة وجيزة، ذهبتُ لزيارتهم في منزلهم الموحَّد، برفقة لجنة من جمعية تركية لرعاية الأيتام… حيث كان بعض الأطفال السوريين الأيتام الذين ليس لهم مُعيل، يأتون من سوريا إلى تلكَ الجمعية. حاولتُ إقناع الأختين بأن ينتقل إخوانهم الثلاثة إلى تركيا، فهم أيتام… وبذلك يعيشون في الجمعية. لكنهما انهارتا بالبكاء ورفضتا…

حاولتُ إقناعهما بأنّ الجمعية ستهتم بدراستهم ومعيشتهم، وسيبتعدون عن قصف الطيران… لكنهما أصرتا على الرفض، وقالت لي الأخت الكبرى: “فقدتُ أبي وأمي، ولا أحتمل أن أفقد إخوتي أيضاً”!

لم تقتنعا بالعرض… لأعلم بعد حين أنّ الصبية تركوا مدارسهم، والكبير منهم (12 عاماً) انضمّ إلى صفوف المقاتلين الإسلاميين. هذا ما حصل لأولاد عتاب بعد وفاتها… تُرى ماذا يُخبئ القدر أيضاً لهم وللسوريين؟!

 

أم معن من مدينة إدلب، من أوائل المشاركات في الحراك السوري. فقدت ولدَيها في الحرب، ونزحت خوفاً من الإعتقال، بعدما سيطر النظام على مدينتها، وعاشت في المزارع في ريف إدلب. عملت هناك مسعفة في نقطة طبية تابعة للمعارضة، وفي تحضير الطعام للمقاتلين… إلى أن سيطرت المعارضة على مدينتها، فعادت إلى منزلها.