نقاشات الإعلام الإجتماعي: مجزرة الرغيف في حلفايا
جان بلند تعيد سوريا خلق ذاتها في مخيلة فنانيها الشباب. سوريا ما بعد أحداث السنتين الماضيتين أصبحت عنواناً جديداً لأعمال هؤلاء الفنانين، الذين عايشوا واقعاً مضاداً لقيمهم الجمالية والتعبيرية على مدار شهور طويلة، انعكس بطريقة أو بأخرى على نتاجهم الفني. لوحات تمثل جدران منسية، تحمل ذكريات وصور وكتابات متروكة على عجل، وتسجل لحظات مرور لعابر ما. تحمل هذه اللوحات قصصاً يومية وتفاصيل اجتماعية كان الفنان عبد الكريم مجدل بيك يرصد فيها روح الشارع السوري قبل الأحداث الراهنة. كنا نرى فيها موضوعات عامة أحياناً وخاصة أحياناً أخرى، يعرض فيها نصوصاً بصرية تتفاعل مع مساحات اللوحة وحساسية السطوح المتنوعة التي قدمها لنا ضمن أعماله. صور قديمة وأشباه رسوم طفولية لطالما التقطها لنا مجدل بيك بتقنيات مختلفة ومواد ملصقة، تعودنا فيها أن نقرأ وصف سردي للحظة محددة. [caption id="attachment_3629" align="alignleft" width="300"] عبدالكريم مجدل بيك/ "مجزرة"/ قياس: 150×150 سم/ تقنيات مختلفة على قماش[/caption] اليوم وبعد مضي أكثر من سنة، يحمل الجدار نفسه قماشاً ممزقاً ومحترقاً وبقايا حاجيات مدمرة، وكأن جيشاً قد مر عليه وطبع وحشيته فوقه: أجزاء من ذاكرة طفولية ممهورة بألوان موت غريب؛ سراويل جينز، والكثير من الأسلحة؛ الكثير من السكاكين التي لا تزال تتنازع على بقايا ثوب قديم أو قماش خيمة لجوء، أو حتى على مصائد عصافير صغيرة. هذه المصائد البرتقالية أو البيضاء والسوداء الموزعة على مساحة العمل، يقول مجدل بيك، تشعركم بالتهديد تارة، وتغويكم بجمالها تارة أخرى، فتطبق عليكم "كإطباقها على جناحي عصفور هزيل." الفنانة ريم يسوف إسم آخر تتردد أصداؤه ليسجل موقفاً مما يجري في الواقع، ولكنه موقف يحمل الكثير من التحدي والرغبة بالطيران بعيداً والحلم بآفاق أكثر وداعة، أكثر إنسانية وجرأة. ترى يسوف أن الفنان ذو قطبين متبادلين في التأثر والتأثير. كل فنان يعمل على بحثه الشخصي ولكنه غالباً ما ينطلق من الخاص إلى العام ليعالج قضايا ومسائل حياتية اجتماعية تحيط به. في أعمال يسوف، نشاهد تناغم فراغ المساحات مع حركات العناصر، كل ذلك تتداخل فيه الأضداد لتشكل وحدة متكاملة وفسيفساء بصرية تتجاوز كل تناقض. وإن تجلى هذا التناقض أحياناً فهو يظهر بطريقة مترفعة عن الجدالات الحادة ضمن النص البصري. أما لونياً، فغالباً ما يظهر اللون الرمادي كشبح غير محسوس. ولا يمكن تجاهل اللون الأبيض الطاغي على معظم أعمالها. الأبيض هو تلك الصرخة النقية في عالم الألوان الفاجرة خاصة في وقت الحرب والدمار حيث يصبح كل تلوين زائد تكلف لا حاجة إليه. فالأبيض بالنسبة إليها "هو كالسهل الممتنع. طفل صغير يلعب بيننا، يعكس انطباعاتنا كظلال بغنى درجاته، كما تقول يسوف. "هو طائرة ورقية من دفاترنا. كتبت عليها أحلامنا وأمنياتنا. وهو صديقي وعدوي كما يجب، كما أنا أردت. هو كالطفل (موضوع لوحاتها الأهم في مرحلة ما بعد الأحداث) نترك عليه بصمتنا؛ سلميتنا وعنفنا. هو مستقبلنا." [caption id="attachment_3673" align="alignleft" width="296"] ريم يسوف/ "لم تعد الملائكة تريد أن ترى"/ قياس: 100×100 سم / تقنيات مختلفة على قماش[/caption] أما الفنان ربيع كيوان، فللإنسان حضور بارز في أعماله. هو شاب سوري آخر يرسم إنساناً يحمل هموماً حياتية أحياناً ووجودية أحياناً أخرى. إنسان ما قبل الأحداث في سوريا لدى كيوان، يحمل هموماً يومية ويتميّز بالهدوء. لن يطول الأمر كثيراً حتى تصير لوحاته، كما سوريا نفسها، مسرحاً لصراع عنيف. بتنا نشاهد ملامح أطفال مكفّنين بين أنسجة اللوحة وفراغها الممتد شاهداً على ما يجري. أناس يحمل الموت بين ملامحهم في حالة سكينة قصوى وتحد واضح. يخبركم الأطفال صمتاً عن موتهم وتشوّههم كي تتورطوا بطريقة أو بأخرى بنصٍّ بصري يجرح كرامة صمتكم ويحمّلكم ما يفوق طاقة جسدكم على الإحتمال، حتى تتمنون الإنعتاق من ذاتكم. نساؤه المعذبات ورجاله المشوهون تعصف بهم حالة من الألم تجاوزت كل معقول. كل ذلك يدفعكم إلى أن تقرؤوا بين السطور واقعاً يصدمكم من دون تكلف أو تجميل. جنازير دبابات تخالونها للوهلة الأولى مساحة تزيينية مجردة، ولكنكم سرعان ما تشعرون بثقلها يعبر روحكم. تدقّقون النظر فترون قطعاً من قماش ملون قد لُصق فوق الدبابة. هل هي دعوة لتخفيف وطأة الثقل المعتم للمادة أم محاولة مرة وساخرة من كيوان لإضفاء المرح على جنازير الدبابات، كما فعل أطفال حمص عندما علقوا أرجوحة على مدفع دبابة مدمرة؟ عند النظر إلى لوحة كيوان يجد المرء عدة أجوبة تنتظر طرح السؤال المناسب. هناك الكثير من التجارب الأخرى تبين أنّ العنف قد صبغ أعمال بعض الفنانين التشكيليين، بينما هناك فنانون آخرون لا زالوا يعملون على المواضيع القديمة نفسها التي كانوا يعملون عليها قبل تفجر الأحداث في سوريا. ويبقى السؤال الأكثر إثارة للجدل في بيئة الفنانين التشكيليين السوريين الشباب يدور حول نوع التجارب التي ستتابع مسيرتها، في ظل واقع قد يكون فيه الحلم مستحيلاً على جيل سجلت ذاكرته البصرية الكثير من مشاهد الدمار والدماء وفظاعة الحرب. [caption id="attachment_3674" align="alignleft" width="214"] ربيع كيوان/" نعش"/ قياس: 100×140 سم / تقنيات مختلفة على قماش[/caption]
مجزرة جديدة تهز سوريا. تكررت المأساة التي حصلت في أكثر من بلدة ومدينة سورية، حين أصابات صواريخ الطائرات طابوراً من الأشخاص الذين يصطفون أمام مخبز في بلدة حلفايا في محافظة حماه، يوم الأحد 23 كانون الأول/ديسمبر. بينما أفاد “المرصد السوري لحقوق الإنسان” عن مقتل 60 شخص ونزوح المئات إلى تركيا، نقلت وكالة “رويترز” عن ناشطين سقوط 90 قتيل.
الناشط السوري المعارض فايز سارة كتب على صفحته في فيس بوك:
كما كتبت الناشطة رزان الغزاوي في مدونتها: “انظر إلى عيون شهداء حلفايا ثم تجرؤ أن تقول لي بأنك قلق بشان الإسلاميين في سوريا…. تجرؤ أن تقول لي انك لا تدعم ثورة الشعب بسبب قلقك بشان انتهاكات الجيش الحر لحقوق الإنسان، بشان الحرب الأهلية، وقطر والسعودية…”
في حين طرحت الناشطة رفيف جوجاتي في تغريدة على تويتر تساؤلاً ساخراً يتضمن تعجباً من إقدام النظام على قتل هؤلاء الناس: “من كان ليعتقد أن الرغيف يهدد الأسد.”
مبادرة الإبراهيمي: تمديد القتل؟
في وقت سابق من هذا الأسبوع التقى موفد الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي الرئيس السوري بشار الأسد، حاملاً معه مقترحاً يقضي بتأليف حكومة انتقالية ذات صلاحيات واسعة، مع استمرار الأسد في منصبه حتى انتهاء ولايته الرئاسية العام 2014، على ألا يكون له حق الترشح مجدداً.
لقيت المبادرة ردوداً قاسية من قبل قوى المعارضة الخارجية، حيث أعلن معاذ الخطيب رئيس “الائتلاف الوطني” المعارض على صفحته في موقع فيس بوك رفض قيادة الائتلاف مجتمعة أي حل سياسي لا يقضي بتنحي الأسد.
كذلك سأل شاود طه على صفحته في فيس بوك إن كان الشعب السوري قادراً على نسيان المآسي والقبول بالمقترح: “صحيح أن الأخضر أعمى البصيرة ألم يلاحظ التضارب فيما بين المعارضة والعصابة الحاكمة؟ ألم يعتبر لتلك الأرواح التي زهقت والدماء التي سالت والدمار الذي ألحقه المعتوه بالبلد؟ من برأيه سوف يضغط على الشعب للموافقة ومن من الشعب سوف ينسى شهيداً له قد راح ومنزل قد دمر وأخ بترت أطرافه وأخت تعذبت في السجون وذلت؟… ألم يسمع الأخضر هتافات الشعب الموت ولا المذلة؟؟؟”
من جهة أخرى رأت “هيئة التنسيق الوطنية”، وهي جزء مما يعرف بـ”معارضة الداخل”، المبادرة خطوةً ايجابيةً، بحسب تصريح أمين مكتب السر التنفيذي رجاء الناصر، الذي أكد أن المخرج الوحيد من الأزمة السورية لن يكون إلا بتوافق أميركي- روسي.
المخرج والناشط السوري عروة النيربية اعتبر في تعليق على فيس بوك اقتراحات الإبراهيمي غير جدية: “المجتمع الدولي يرى في التغير الروسي فرصة، وبالتالي هو مستعد للضغط على المعارضة، عبر الإبراهيمي، كي يخلص من سيرة سوريا بسرعة… لا يوجد إلى اليوم ولا عرض لخطة جدية، ولا رفض لخطة ولا قبول لخطة… كلها فقاعات اختباريه في سبيل تحديد الخطوط العريضة وقياس مدى استعداد كل طرف للمساومة.”
من هو “أبو فرات”؟
“أبو فرات” يوجه رسالة إلى العلويين – يوتيوب
يوسف الجادر، أو “أبو فرات” كما يعرف، هو ضابط انشق عن الجيش السوري النظامي وقاد عملية السيطرة على “مدرسة المشاة” العسكرية في حلب، إلا أنه قتل بعد يوم واحد من العملية. وتركت وفاته أثراً كبيراً في جمهور المعارضة بسبب رسالته الى الطائفة العلوية التي نشرت على موقع يوتيوب، والتي ذكر فيها أنّ أبناء الطائفة العلوية هم إخوته وأنه حمل السلاح ضد النظام مكرهاً. بالإضافة إلى التعبير عن افتقاد “أبو فرات”، شملت التعليقات على هذا الفيديو اتهامات لـ”جبهة النصرة” بقتله.
ونشرت مدونة “المندسة السورية” مقالاً يعلل شهرة “أبو فرات”: “لقد كسب هذه الشهرة من كلمة واحدة وهي ان قتلى جيش الأسد “ومعظمهم من العلويين”إخواننا وبسبب هذه الكلمة صارت له هذه الشهرة الخارقة والمحبة في قلوب الثوار….”
كما رثت يم مشهدي “أبو فرات” على صفحتها: “أبو فرات…… سنكون يوما ما نريد… أبو فرات…… أنت، أنت تحديدا هو حال البلد، البلد…… البلد يلي بدنا ياه يا أبو فرات…”
فرحة الميلاد تغيب للسنة الثانية
حل عيد الميلاد للعام الثاني على التوالي على سوريا في أوقات عصيبة وحزينة. وعلى الرغم من انحسار مظاهر العيد في سوريا إلا أن ذِكر بابا نويل لم يغب عن تعليقات الناشطين السوريين، حيث طلب منه عبد العزيز العائدي في تعليق على صفحته في فيس بوك الابتعاد عن سوريا لأنها لا تحتاج إلى هداياه: “بابا نويل…. إذا طلعت بوجهك سوريا وأنت بتوزع هدايا لا تميل عليها لأنو ما في حدا بحاجة لهدايك هناك… عنا كل أنواع الهدايا.. عنا صواريخ وقنابل وقذائف ورصاص موت ودم… جوع وبرد وتشرد… يعني مشكور على جهودك لأنها ما رح تكون أحسن من يلي عرفه السوريين على طوال الأشهر الماضية من الوعود الكاذبة لعالم منافق يدعي الإنسانية… بقى الله يخليك خليك بعيد عنا خليك.”
كما وجه “المنبر السوري الديمقراطي” معايدة بمناسبة عيد الميلاد على صفحته في فيس بوك:
“ستظلّ أعيننا تترقّب لحظة الحريّة، وسننزل جميعاً إلى الشوارع لنغني ونبتهج، يداً بيد رغماً عنك (الرئيس السوري بشار الأسد)، مهما كان ديننا وطوائفنا ومشاعرنا القوميّة….. وسوريا ستولد من جديد قويّة بأهلها وبتفانيهم من أجلها. وحينها سنقول جميعاً: ميلاد مجيد وكلّ عام وسوريا بخير، كلّ عام وأهل سوريا شعب واحد بخير وبركة.”