نعيش بخوف ونمضي أيامنا بأمل
عائلة فقدت منزلها بقصف طائرات النظام حي ضهرة عواد شرقي حلب. صور من حلب بعدسة: مجاهد أبو الجود
"استيقظت لأجد أهل القريه كعادتهم، بيوتهم مفتوحة. لا يخافون من شيء، اعتادوا على القصف والقذائف التي تقع بالأراضي الزراعية،
ونادراً ما تسقط بين المنازل"
حل المساء بظلمته وقسوته في شتاء بارد، يحيطه الفقر والخوف من كل جانب. حضّرت لاطفالي بعض الحساء للعشاء. كان ذلك في الأول من شهر كانون الأول/ديسمبر 2104.
جاء زوجي وبيده بعض البرتقال لأطفالي الذين فرحوا به جداً. سألته: “من اين اتيت بالنقود لشراء البرتقال؟” أجابني انه استدان مبلغاً من اخي. دمعت عيناي وذهبت لاحضّر له بعضن الشاي.
بعد ان قامت الثورة ترك زوجي عمله، ولم يجد عملا آخر. كان ينتظر من اهله ان يعطوه مصروفنا. كانت امه تجعلني أخدم في المنزل لكي تعطيني كل يوم صحنا من اللبن، او بعض الزيت لكي افطر ابنائي. كنت اتذكر وضعنا قبل اندلاع الثورة ووضعنا بعده.
وبينما كنت احضر الشاي، كان زوجي يستمع الى نشرة الأخبار على التلفاز. واذا بصوت قذيفه يهوي من بعيد. سقطت في قريتنا لكنها بعيده عنا. في الحاره الشرقية من القرية. ركضنا الى الخارج لنعلم ماذا يحدث. وما هي الا دقائق حتى دوت قذيفه ثانيه من فوق رؤوسنا. سقطت بالاراضي الزراعيه القريبه منا.
ركضنا الى داخل المنزل عله يقينا شظايا القذيفة. كان مصدر القصف حاجز باقلو على اطراف السقيلبيه الموالية. وبعدها عاد الهدوء تدريجياً وانصرف الناس وغطت القرية في نوم عميق. وبعد ذلك غلبني النعاس ونمت. استيقظت لأجد أهل القريه كعادتهم، بيوتهم مفتوحة. لا يخافون من شيء، اعتادوا على القصف والقذائف التي تقع بالأراضي الزراعية،
ونادراً ما تسقط بين المنازل.
الخوف لم يغير شيء بحياة الناس. انه لعمر طويل والثورة مستمرة. جعلنا ذلك أكثر قوة وصموداً. وهكذا بدأ نهار جديد حضرت طعام الغداء. وجلست مع جارتي خارج المنزل. كان الطقس مشمسا على غير عادة. وبعد آذان العصر، بينما نحن نتحدث انا وجارتي ونتناول قهوتنا. سقطت قذيفه في الحارة الشرقية. ولكن هذه المرة على المنازل. وسقطت الثانية والثالثة.
استنفر كلّ من بالقرية على أصوات الانفجارات. فررنا الى قبو المسجد. كان يعج بالاطفال والنساء والرجال
وبدأ الصراخ يعلو خارجاً. هناك جرحى في الحارة الشرقية. بدأنا ندعو الله ان لا يتضرر احد. وبعد دقائق جاء احد الرجال وأخبر الجميع ان سهيلة، زوجة عمي، اصيبت بفخذها وصدرها وانهم أسعفوها الى النقطة الطبية.
دعونا لها بالشفاء، ولكن هيهات في النقطة الطبية لا يوجد معدات. وإصابتها كانت بالغة. وما هي إلا دقائق حتى ارتفع صوت المنادي عبر الجامع يعلن وفاتها.
الخوف أصاب الجميع، هذه المرة ليست كسابقاتها لقد اودت بحياة امرأة وجنينها فهي حامل بشهرها الثاني. صعق اهلها من هول المصيبة وبدأ أهل القريه بالنزوح ليلتها.
دخل زوجي المنزل وقال لي: علينا الرحيل، فلنحضر ما سنأخذ معنا. يقولون ان القصف سيتجدد ليلاً”. وفعلا هيأت أغراضنا وغادرنا باتجاه قرى ريف ادلب المحرر.
لم نجد ملجأ سوى الجوامع والمدارس في قرية الفقيع. أمضينا ليلتنا بخوف وجوع وبرد. لم نجد ما ننام عليه. جلسنا حتى الصباح على مقاعد الدراسه، نام اطفالي على المقاعد وانا وزوجي بقينا مستيقظين، نرقب بزوغ الفجر.
إلى متى سنبقى هكذا، نعيش خوفاً من مجهول وخوفاً من واقع؟ مرّت الأيام ونحن على حالنا. أعطانا اهل القرية بعض المخدات والاغطية كي نمضي أيامنا. ولكن الى متى سيبقى حالنا هكذا؟
عادت بعض العائلات الى القريه مع خوف يترقبهم من قصف الحواجز المحيطه بنا. قلت لزوجي أن يعيدنا الى المنزل فلم اعد احتمل تلك الحياه بعيداً عن منزلي. وافق زوجي وعدنا الى القرية. دخلنا وفي طريق عودتنا كنت ارقب شوارع قريتنا التي كانت تعج بالحياة، أصبحت أشبه بمدينه اشباح، ليس فيها سوى القليل من الناس.
بقيت العائلات الفقيرة التى لا تملك المال لكي تستأجر منزلاً وتسكن فيه. وما هي إلا أيام حتى عاد أهل القرية جميعاً. كنت كلما رأيت عائلة تعود ازداد قوة. واطمأن قلبي أكثر. عدنا نعيش كما كنا نعيش سابقاً، ولكن نعيش بخوف ونمضي ايامنا بأمل أن يسقط ذلك النظام ونعود لحياتنا دون خوف وجوع وبرد.
نهله مصطفى (22 عاماً) متزوجة وأم لثلاثة ابناء. ربة منزل من ريف حماه الغربي نازحة في بلدة معرة حرمه.