نصب تذكارية وساحات … تخلد ذكرى الشهداء
نصب تذكاري في إحدى ساحات كفرنبل تصوير مصطفى الجلل
"المزيد من مجازر النظام، صار يعني المزيد من ساحات الشهداء، والنُصب التذكارية التي يلتف حولها الأهالي لإحياء المناسبة في كل سنة"
أبو عبدو (58 عاماً) لم يكن يتخيّل في يوم من الأيام، أن يرى اسم ابنه هيثم (18 عاماً) منقوشاً على نُصُب تذكاري مع أسماء شهداء آخرين، في إحدى ساحات المدينة!
يقول أبو عبدو لـِ حكايات سوريا: “هيثم كان يعشق لعبة كرة القدم. كانت تشغلهُ عن كل نواحي الحياة. لم يهتم بالسياسة في يوم، ولم يخطر لي أن يستشهد بتلكَ الطريقة القاسية بغارات النظام”.
يتابع أبو عبدو بعد تنهيدة طويلة: “كلّما مررتُ من أمام النُصُب المنقوش عليه اسم ابني، أتذكرهُ… وأعودُ بذاكرتي إلى ذاك اليوم الحزين، الذي ذهبتُ فيه إلى المستشفى لأتعرّف على جثّته”.
تنتشر في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، النُصُب التذكارية، وعليها أسماء الشهداء المدنيين… كما تنتشر ساحات تُخلّد ذكراهم تحت مُسمّى “ساحة الشهداء”. وتهدف هذه البادرة إلى توثيق المجازر التي يقوم بها النظام، باستهداف المدنيين الأبرياء من مختلف الأعمار.
بدأت حكاية النُصب التذكارية وساحات الشهداء، من مدينة كفرنبل، عقب أولى غارات الطيران السوري عليها، حيثُ سقط أكثر من 30 مدنياً ضحية تلكَ الغارة. على أثر تلك المجزرة بنى اتحاد المكاتب الثورية نُصُباً تذكارياً في المكان، وتمَّ نقش أسماء شهداء المجزرة، مع توثيق تاريخ حدوثها.
ثمَّ توالت النُصُب التذكارية في كفرنبل بتواتر المجازر . وانتقل ذلك النشاط إلى بقية المناطق التي تسيطر عليها المعارضة…. المزيد من مجازر النظام، صار يعني المزيد من ساحات الشهداء، والنُصب التذكارية التي يلتف حولها الأهالي لإحياء المناسبة في كل سنة…
أسامة الأحمد (34 عاماً) عضو مجلس إدارة اتحاد المكاتب الثورية، يتحدّث لموقعنا عن أهمية النُصب التذكارية وساحات الشهداء، بالقول: “تبقى الأعمال التكريمية للشهداء، حاضرة في ذاكرة الأجيال القادمة، لأنها أعمال حسيّة، وفيها رمزية كبيرة. وتصوِّر كَمَّ التضحيات التي يقدّمها الشعب السوري في سبيل نيل حريته، ومدى إجرام النظام و وحشيته، من خلال توثيق المجازر التي يقوم بها”.
ويضيف الأحمد: “حتى النصب التذكارية وساحات الشهداء، لم تسلم من قصف النظام! فيتم استهدافها، مثلما يستهدف المشافي والمدارس والأسواق… وما ذلك إلا للتأكيد على مدى إجرامه”!
رئيس المجلس المحلي في كفرنبل مصطفى علي الشيخ (44 عاماً)، يشكر اتحاد المكاتب الثورية، لقيامه بتشييد النُصُب التذكارية وبتزيين جدران المدينة بالعبارات الثورية… “ما يعكس ثقافة الحياة، بوضع الفن في سبيل قضية المجتمع”.
يؤيد حمدو السطيف (33 عاماً) تشييد النُصُب التذكارية. ويقول أنها “تُزيّن ساحات المناطق، وتحل مكان آثار الدمار والهدم، ليتم استبدالها بالنُصب والرسومات، التي تعكس ثقافة الثورة ومدى تضحية الشعب السوري”.
أمّا معن كليدو (41 عاماً) فيُعارض فكرة إقامة النُصب التذكارية، ويعتبر أنها تُعيد لأهالي الشهداء الشعور بالفقدان، وتتسبّب لهم بالحزن مجدداً، كلّما مرّوا من أمام تلك النُصُب!
إلى ذلك أطلق المجلس المحلي في مدينة معرة النعمان، اسم ساحة الشهداء على الساحة الواقعة في الحي الغربي للمدينة.
أبو أحمد (50 عاماً) عضو المجلس المحلي في معرة النعمان، يقول لـِ حكايات سوريا: “بالتأكيد، لا تستطيع أي هيئة أو منظمة تعويض أهالي الشهداء عمّا أصابهم، لكنّ تسمية الساحة باسم ساحة الشهداء هو تكريمٌ للشهداء وللأهالي على حدٍّ سواء. ونحنُ جميعاً ماضون على درب الشهداء”.
كما يُلفت أبو أحمد، أنهُ لا يمكن تسمية الساحات باسم شهيدٍ واحد، لكثرة الشهداء وقلّة عدد الساحات والشوارع والمدارس، في ظل هدم النظام لمرافق المدينة… وما يبقى من ساحات أو شوارع، تُشيَّد فيها النُصب التذكارية، وتبقى شاهدةً على جرائم النظام.
أنس (25 عاماً) يروي لموقعنا، كيف أنَّ والده الذي كان ضابطاً متقاعداً في جيش النظام، قضى بقصف طائراته، حين كان موجوداً في السوق في كفرنبل، ليشتري حاجيات المنزل.
أنس يقف أمام النُصب التذكاري متذكراً والده. “شريط فيديو يمر أمامي الآن… كيف أنّي علمت بالغارة، ومن ثمّ رحتُ أبحث عن والدي في السوق، ولم أجدهُ! وكانت جثته في مسجد المدينة”. يروي أنس ما جرى والدمعة في عينيه…
أمّا البائع المتجوّل عبد الرحمن، فاستشهد حرقاً تحت سيارته المحمّلة بالباذنجان في سوق كفرنبل، وذلك بعد وصوله إلى ساحة البازار في المدينة بنحو عشرين دقيقة.
يروى لنا ابنه محمد كيف أنَّ النظام كان قد استهدف المدينة، وقضى الوالد في غير منطقته، ليتم دفنه باسم ٍمجهول. “حتى تأكدنا من أن ذاكَ هو والدي، وبأنّ تلك هيَ سيارته… واسمهُ المجهول صارَ معروفاً على النُصب التذكاري”.
الساحات التي صار اسمها “ساحات الشهداء”، والنُصُب التذكارية، بالكاد توثِّق جرائم النظام بحقِّ مئات الضحايا… لكنها بالتأكيد غير كافية، لتوثيق آلاف الأسماء الأُخرى، التي تعيش في ذاكرة السوريين بمرارة… ذاكرة مثقلة بالآلام.