نشطاء يطالبون بتحسين المجلس الوطني السوري

سمعة المجلس الوطني السوري على المحك، سواء لدى أعضائه أو لدى الشارع السوري. هذا التحدي يواجهه الرئيس الجديد للمجلس الوطني عبد الباسط سيدا الذي اُنتخب في 10 حزيران/يونيو الماضي. سيدا كردي وينحدر من مدينة عامودا شمال شرق سوريا وهو مقيم في السويد منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي.
إستلم سيدا رئاسة المجلس خلفاً لبرهان غليون الذي كانت قد دارت نقاشات حادة حول إعادة انتخابه رئيساً للمجلس الوطني ومدى ديمقراطية هذه الإنتخابات، مما دفعه إلى الإستقالة في شهر أيار/مايو الماضي. وقد أكّد سيدا العمل بكل السبل من أجل “تحويل المجلس الوطني لمؤسسة وطنية تضم سائر أطياف ومكونات الشعب السوري دون أي تمييز أو هيمنة لفصيل ما على قرارات المجلس،” كما شدد على استمرار المجلس في “دعم الجيش الحر خاصة فيما يتعلق بتمويله وإمداده بالسلاح.”

بعد مرور أكثر من ستة عشر شهراً على بدء الثورة السورية، لا يزال السوريون يدفعون يومياً العشرات من الضحايا ومئات من المعتقلين ضريبة مطالبتهم بالحرية. ولكن رغم المخاطر الكبيرة التي تحدق بكل شخص يشترك في النشاطات الثورية، فإنّ الإنتفاضة لم تخمد. الكثير من السوريين المنخرطين في الحراك الشعبي ينتظرون من المجلس الوطني السوري المزيد من العمل الميداني والسياسي لخدمة الثورة والثوار وحشد الدعم الدولي من أجل وقف مجازر النظام ضد الشعب السوري الأعزل. هذا ما يقوله الناشط أسامة إدوارد موسى، عضو كتلة السريان الآشوريين المنضمة إلى المجلس الوطني السوري ويضيف قائلاً: “يجب إعادة الهيكلة بأسرع وقت ممكن وضم ما تبقى من تجمعات معارضة خارج إطار المجلس ليكون العنوان الرئيسي الذي يجمع الطيف السياسي المعارض. ويجب التوجه إلى الأقليات المترددة والأكثريات الصامتة لكسب ثقتهم وتأييدهم عبر خطاب عقلاني تصالحي يطوي صفحة حقبة الأسد وينطلق بسوريا إلى مستقبل ترى فيه نفسها وتحفظ فيه مصالحها.” وحسب رأي موسى فإنّ النقطة الأكثر أهمية هي، كما يقول، “الإصغاء إلى صوت الداخل أكثر من ذي قبل وإعطاء حيز أكبر لممثلي الحراك الثوري ولقاعدة المجلس للمشاركة الحقيقية في صنع القرارات. ”

وينتقد الناشط إدوارد موسى، الذي هاجر إلى السويد قبل ثلاث سنوات هرباً من النظام، أداء المجلس الوطني في الخارج أيضاً، ولكنه في الوقت نفسه يحاول فهم أسباب وراء هذا الأداء الضعيف للمجلس منذ تأسيسه في أكتوبر/تشرين الأول 2011 ويقول: “يجب أن نعترف أنّ خمسين عاماً من القمع البوليسي والقطيعة العملية بين المعارضة والعمل السياسي فرضت أجواءً من عدم الثقة والضعف وعدم التمرس وعدم الخبرة لدى أطياف المعارضة دون استثناء وأضعفت قدرتها على التواصل مع بعضها البعض ومع الشارع السوري.” ويشير الناشط السرياني إلى انعدام إمكانية تواصل أطياف المعارضة المختلفة مع بعضها البعض خلال العقود الأربعة الماضية ووضع برامج عمل مشتركة ويذكّر بأنّ اجتماع ثلاثة أشخاص في مكان واحد دون موافقة السلطات الأمنية السورية كانت تعتبر جريمة يعاقب عليها قانون الطوارئ ويعتقل على أساسه مرتكبوها مباشرة .

وتطالب ليلى الصفدي، عضوة المجلس الوطني السوري عن كتلة لجان التنسيق المحلية، إحدى أهم التيارات المعارِضة في الداخل، أن “يملك المجلس آليات مفيدة للتواصل مع ثورة الداخل، وأن يتعامل بجدية مع مسألة الكتلة الصامتة التي لم تحسم خيارها بعد ولم تنضم إلى المعارضة ولم تصطف إلى جانب السلطة وبقيت في الوسط تنتظر أن تميل الكفة إلى أي طرف من أجل الإصطفاف إلى جانبه.” وتركز الصفدي المقيمة في الجولان السوري بشكل خاص على ضرورة استمالة الأقليات وهي الكتلة التي توفر أهم عوامل بقاء النظام حتى هذه اللحظة، حسب رأيها .

تؤكد الصفدي أنّ لجان التنسيق المحلية كانت قد تقدمت بمقترح ضمن رسالة داخلية إلى المجلس تضمنت 14 بنداً تفصيلياً بهدف إصلاحه، شملت كلاً من الجوانب التنظيمية والسياسية والإغاثية والسبل المثلى للتعامل مع القوى الحركية على الأرض ومع الجيش الحر، وتقول الصفدي إنّ هناك اتفاق مع المجلس بعدم نشر هذه الرسالة في الوقت الحاضر.

وكخطوة أولى لتلبية مطالب المنتقدين من داخل المجلس الوطني السوري، أعلن عبد الباسط سيدا أنّ ثمة خطة لتوسيع المجلس وضم أكبر عدد ممكن من التنظيمات السياسية والشخصيات المعارضة والتنسيقيات الشبابية، مما يعني إعادة هيكلة بنية المجلس عبر إعطاء دور أكبر للداخل والعمل ككتلة واحدة منسجمة من أجل تحقيق أهداف الشارع السوري بنيل الحرية والكرامة وإسقاط النظام القائم، حسب قول سيدا. وقد وجّه الرئيس الجديد للمجلس الوطني رسائل إلى السوريين قائلاً: “نطمئن الجميع من أبناء شعبنا طوائف ومذاهب وقوميات وخاصة الأخوة في الطائفة العلوية والأخوة المسيحيين بأنّ سوريا المستقبل ستكون بكل أبنائها ولكل أبنائها رجالاً ونساء.” وأكّد مرة أخرى أنّ سوريا المستقبل ستكون مدنية ديمقراطية تعددية تحترم سائر الخصوصيات وتقر بحقوق الجميع وتلغي السياسات التمييزية وتعوض المتضررين وتولي الإهتمام الكافي للمناطق التي أهملت.

وفي اجتماع المجلس الوطني السوري في اسطنبول في منتصف يونيو/حزيران الماضي، تمّت بالفعل مناقشة ضرورة توسيع المجلس والتواصل مع من هم خارجه لضمهم إليه. ولكن من الظاهر أنّ سرعة تواتر الأحداث السياسية والميدانية خلال الأسابيع الأخيرة، مثل انعقاد قمة الدول العشرين في جنيف ومؤتمر أصدقاء سوريا في باريس ومؤتمر القاهرة للمعارضة السورية برعاية الجامعة العربية وحدوث عدة مجازر في سوريا، كان آخرها مجزرة التريمسة، كانت عائقاً أمام تطبيق خطط توسيع المجلس حتى الآن.