“نشطاء كفرنبل عملاء للغرب بحسب “داعش

هزاع عدنان الهزاع

(كفرنبل، سوريا) – لم يتدخل تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، المعروف اختصاراً بـ “داعش”، في الشؤون العامة في كفرنبل قبل شهر كانون الأول/ ديسمبر من العام 2013. حينها، سيطر عناصر التنظيم على المدينة التي يبلغ تعداد سكانها نحو 30,000 نسمة دون أي مقاومة تذكر من الفصائل المسلحة.

أثناء فترة السيطرة هذه، داهم تنظيم “داعش” مؤسسات إعلامية وتنموية، وهي “المكتب الإعلامي في كفر نبل”، و”راديو فرِش”، ومجلتي “المنطرة” و”الغربال“، بالإضافة إلى “باص الكرامة“، وهي مبادرة تهدف إلى دعم طلاب المدارس مادياً ونفسياً.

لقطة من فيلم قصير يستنكر مهاجمة مقر"باص الكرامة" من قبل "داعش"  – موقع "فيميو"/ أبو نضّارة
لقطة من فيلم قصير يستنكر مهاجمة مقر”باص الكرامة” من قبل “داعش” – موقع “فيميو”/ أبو نضّارة

صادر عناصر التنظيم معدات هذه المؤسسات، وساقوا تسعة من العاملين فيها إلى مقراتهم للتحقيق معهم بتهمة العمالة مع الغرب. أفرج التنظيم عن ثمانية منهم بعد بضع ساعات، أو في اليوم التالي، بحجة أنهم مغرر بهم، وهي لا تريدهم، وإنما تريد ممولي تلك المؤسسات ورؤساءها، مما يفسر بقاء رئيس تحرير مجلة “الغربال” محمد السلوم  قيد الاعتقال حتى قيام “الجيش الحر” بتحريره في الرابع من كانون الثاني/ يناير.

في ذلك اليوم، انسحب التنظيم من كفرنبل في الرابع من كانون الثاني/ يناير باتجاه مدينة كفرزيتا في ريف حماة، دون قتال، بعد ضغط “الجيش الحر” وتدخل الوسطاء إثر شن الجيش الحر و”الجبهة الإسلامية” حملة عسكرية ضد التنظيم في أكثر من مكان. بعد الانسحاب التقى موقع “دماسكوس بيورو” الناشطين المطلق سراحهم، الذين تحدثوا عن تجربتهم ورأيهم بـ”داعش”.

مثل بقية الناشطين المعتقلين، تلقى محمد السلوم (33 عاماً) اتهاماً بنشر العلمانية والكفر والإلحاد، ومعاداة الشريعة الإسلامية، والعمالة للغرب.

ذكر السلوم أنه تعرض للضرب والإهانة مرة واحدة فقط أثناء اعتقاله، من قبل مقاتل تونسي.

 يسخر السلوم من الاتهامات الموجهة إليه. “أنا مسلم ولكني أكره داعش”، يقول السلوم، الذي عرّف مجلته بأنها مستقلة ومحايدة، تنتقد السلبيات لدى الجميع، وتهدف إلى بناء المجتمع المدني القائم على الحرية والعدالة والمساواة وسيادة القانون.

لم تتمكن المؤسسات المستهدفة حتى الآن من استئناف العمل، لأنها لم تتمكن من استرجاع المعدات التي صادرها تنظيم “داعش”، وما زالت تبحث عن البديل. وبالرغم من خروج التنظيم من كفرنبل، ما زال أولئك الناشطون يشعرون بالخطر، على الرغم من عدم تلقيهم أي رسائل تهديدية. تنتشر الكثير من الشائعات التي تقول إن “داعش” ستبدأ حملة أمنية في جميع المناطق التي خسرتها، تغتال فيها كل من وقف في وجهها من الناشطين وقادة “الجيش الحر”، عن طريق المسدسات كاتمة الصوت والأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة.

وكان أحد مسؤولي التنظيم المعروف باسم “أبو البراء البلجيكي”، الذي قتل في منتصف كانون الثاني/ يناير،   قد هدد بشن هجمات بمئات السيارات المفخخة في محافظة إدلب.

رئيس تحرير مجلة “المنطرة” يوسف الأحمد (23 عاماً)، اعتقلته “داعش” يوماً واحداً وحققت معه، ثم أفرجت عنه. يصف الأحمد المجلة بأنها ساخرة، ناقدة، مستقلة، تهدف إلى تصحيح أخطاء الثوار، والمساهمة في بناء المجتمع المدني ولفت إلى أن مجلته “لم تهاجم الإسلام ولا الشريعة الإسلامية ولا التاريخ الإسلامي أبداً”. وقال الأحمد إنه تعرض للضرب والإهانة أكثر من مرة، وبقي مقيداً ومعصوب العينين طوال فترة اختطافه، وكان حراسه يرشقونه بالماء كل ساعة تقريباً لحرمانه من النوم.

أما رئيس قسم المونتاج في راديو “فرش”، التابعة للمكتب الإعلامي في كفرنبل، صلاح العبد (27 عاماً)، والذي احتجزته “داعش” لأربع ساعات فقط، ثم أفرجت عنه، فقال إنه لم يتلقَ معاملة قاسية أثناء احتجازه. يقول العبد إن المحققين سألوه عن رئيس المكتب الإعلامي ومدى ارتباطه بأميركا، وطلبوا منه أن يذكر أسماء الصحفيين الغربيين الذين يأتون إلى المكتب الإعلامي من حين لآخر. وذكر العبد أن هدف راديو “فرِش” هو تقديم المعلومة والخبر الصحيحين، والمساهمة في بناء المجتمع المدني. ولفت إلى أنها لم تهاجم الشريعة الإسلامية قط، بل على العكس، تبث بعض البرامج الدينية كبرنامج “الدين النصيحة” للشيخ محمد الحميد، وبرنامج “حياتنا” لعدد من الدعاة الإسلاميين.

الرسام أحمد جلل (32 عاماً)، وهو أحد أبرز الناشطين المطاردين، نتيجة رسمه كاريكاتور يشير إلى أن “داعش” تمثل طعنة في ظهر “الجيش الحر”. يقول الجلل “أول خطوة لبناء الدولة الجديدة هي إسقاط النظام”، وهو يرى أن الثورة تهدف لإسقاط نظام الأسد وبناء دولة العدالة والمساواة، بغض النظر عن شكل هذه الدولة. ويطمح الجلل إلى أن “تستمد هذه الدولة قوانينها من الشريعة الإسلامية”.

أسامة الرحال (29 عاماً)، مقاتل في صفوف “داعش” من مدينة كفرنبل، ترك المدينة بعد فترة وجيزة من إجراء المقابلة معه يوم 31 كانون الأول/ ديسمبر 2013 . دافع الرحال عما قامت به “داعش”، وقال إن التنظيم يمر في مرحلة طوارئ، ولديه شكوك كثيرة حول تلك المؤسسات وارتباطها بالغرب “الذي لا يريد الخير للإسلام والمسلمين، ويحابي إسرائيل على حساب الفلسطينيين”. وأضاف الرحال: “لا نريد ترهيب أحد، أو قتل أحد، إلا بالحق. نريد أن نوطد أركان دولتنا، نريد أن نطبق الشريعة الإسلامية، نريد حكم الله في الأرض، ولو كان ذلك بالسيف”.

يرد على ذلك رئيس المكتب الإعلامي في كفرنبل رائد الفارس (43 عاماً)، وهو على رأس المطلوبين لدى “داعش”، بأنه لا يمكن أن يُختصر الإسلام في حد سيف أو فوهة بندقية. ويرى الفارس أن “إنارة عقل رجل واحد بنور الإسلام أحب إلى الله ألف مرة من أن ترغم البشرية جمعاء على طاعة عمياء لأوامر الله”. ويسخر الفارس من الاتهامات الموجهة من “داعش” إليه بالعمالة للغرب، ويقول: “الأسد يتهمنا بأننا عملاء للغرب أيضاً”.

وعن هذه الاتهامات، تقول الناشطة نور (اسم مستعار) المطاردة من قبل “داعش” بسبب عملها على مشروع “باص الكرامة”: “لسنا أصحاب فكر، وإنما اصحاب قضية إنسانية، وهي الطفولة وجيل المستقبل”. وتضيف: “بمهاجمة مقرنا في كفرنبل، تهجم “داعش” على كل طفل يأتي إلينا بابتسامة وأمل كبير بساعة أو ساعتين من الطفولة الطبيعية، بعيداً عن القصف والحصار والحرب”.