نخاف من الحرب بين الفصائل
صورة لساحة معرة النعمان خاص حكايات سوريا
".إذا تطور القتال بين فتح الشام وباقي الفصائل سنقع ضحية هذا الاقتتال"
لم ينعم سكان الحي الغربي في كفرنبل بالهدوء طويلاً. هذا الحي الذي اعتاد سكانه على الهرب لدى سماع هدير الطائرات الحربية، لم ينعم بالأمان لفترة طويلة.
استيقظت سعاد على أصوات إطلاق نار كثيف، وأصوات مدفعية متوسطة. للوهلة الأولى توقعت أنها قوات نظام الأسد، والمليشيات الموالية له، فزوجها كان قد أخبرها أن ميليشيات إيران (في إشارة إلى الوجود العسكري الإيراني الداعم للنظام)، وقوات نظام الأسد هدفها القادم بعد انتصارها في معركة حلب هو إدلب.
معظم سكان الحي اعتقدوا ما توقعته سعاد، لكن لم تكن توقعاتهم صائبة… حاجز لحركة أحرار الشام الإسلامية منع رتلاً من جبهة فتح الشام المحسوبة على القاعدة، كان متوجها لقتال جيش المجاهدين التابع للجيش الحر من المرور. على إثرها اندلعت اشتباكات استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة…
النتيجة كانت سيطرة فتح الشام على الحاجز. سقط عدد من القتلى من المقاتلين إضافة إلى عدد من الجرحى المدنيين. كما تم اعتقال 15 شخصاً.
سعاد أم لثلاثة أولاد من سكان الحي الذي اندلعت فيه الاشتباكات تعبّر عن غضبها مما جرى وتقول: “هذا ما كان ينقصنا، كان زوجي في عمله عندما اندلعت الاشتباكات.. لم أدرك حينها أنها فقط اشتباكات بين هؤلاء الـ ….”.
تحاول سعاد كتم غيظها. تأخذ نفساً عميقاً وتكمل: “لم نكد نهنأ بالهدنة حتى جاؤوا ليعكروها علينا. أصبحنا نخاف من الحرب بين الفصائل”. توقفت بعدها سعاد عن الكلام ورفضت متابعة الحديث.
الهدنة فرضت واقعاً جديداً. أعطى نسبيا واقعاً من الأمان، وأوقفت المعارك على الجبهات.. لكنها أعطت الفصائل على اختلاف إيديولوجياتها مجالاً لتصفية الحسابات.
هناك أكثر من 30 فصيلاً مقاتلاً في إدلب وحدها… بعضها يتبع للجيش الحر الذي ويتخذ من أهداف الثورة منهجا له. والبعض الآخر لديه خلفية إسلامية معتدلة كأحرار الشام وصقور الشام. وبعضها يتبع للقاعدة كفصيل جند الأقصى، وجبهة النصرة التي فكت ارتباطها بالقاعدة وغيرت اسمها إلى جبهة فتح الشام.
اختلاف أهداف هذه الفصائل لم يكن هذه المرة بالكلمة والترويج لأهدافهم، بل تحدثوا هذه المرة بلغة السلاح بمختلف أنواعه.
خلاف بين جبهة فتح الشام وجيش المجاهدين، تطور ليصبح معركة عسكرية في ما بعد شملت فصائل أخرى مثل صقور الشام وأحرار الشام، ما أثار مخاوف جدية لدى المدنيين من تطور الصراع بين هذه الفصائل التي تعتبر أكبر الفصائل المسيطرة على محافظة إدلب.
محمد يعمل كمدرِّس يقول: “ظننت في البداية أنها أصوات إطلاق رصاص على تشييع شهيد أو انتصار في إحدى المعارك، ولكن بعد تطور الأمر إلى استخدام المدفعية قذائفها، أدركت أن الأمر أكبر من ذلك. أخذت أولادي بسرعة إلى الحمام وهو آمن بشكل نسبي”.
يحاول فؤاد تسمية الفصائل الموجودة في ريف إدلب ومناطق انتشارها. كان يريد تعدادها على أصابعه، ولكن بعد أن انتهى من أصابعه العشرة دون أن ينتهي من سردها، توقف عن عدها وقال: “لا توجد بلدة أو مدينة في محافظة إدلب، إلا ويوجد فيها أكثر من فصيل، بينما توجد جبهة فتح الشام في أغلبها، وإذا تطور القتال بين فتح الشام وباقي الفصائل سنقع ضحية هذا الاقتتال”.
يتوقف فؤاد عن الحديث ليتابع بعدها “كله بسبب أستانة (أستانة عاصمة كازاخستان حيث اجتمعت فصائل الجيش الحر مع وفد النظام الحاكم في دمشق برعاية روسية تركية)”.
لا يجرؤ فؤاد كغيره من باقي المدنيين على إلقاء اللوم على أي فصيل، خوفاً من الاعتقال أو التعرض لأي مساءلة.
تتهم جبهة فتح الشام جيش المجاهدين بالمشاركة في أستانة، وهذ الاتهام كان الحجة التي اتخذتها فتح الشام لمهاجمة جيش المجاهدين. المر الذي أثار حفيظة باقي الفصائل التي شاركت في أستانة، وخشيتها من أن تصبح الهدف الثاني بعد جيش المجاهدين. لذلك قررت الدفاع عن جيش المجاهدين، ما جعل النزاع يتطور ليشمل مختلف أنحاء المحافظة.
“شهيدة في قرية مرعيان، وشهيد آخر في كفرنبل، وشهيد في معرة النعمان، وجرحى هنا وهناك” يقول الشاب أحمد عن نتائج المعارك في اليوم الأول والثاني بين الفصائل ويضيف: “يجب على المدنيين التحرك السريع والنزول للشوارع لمنع اقتتالهم، لأنهم هم الوحيدين الذين سيكونون الضحية”.
دعوة أحمد وغيره لم تلاق الكثير من القبول لدى الأهالي. ليس لأنهم ينكرون عليه الأمر، بل بسبب الخوف من اعتقالهم أو إطلاق النار عليهم من قبل بعض أنصار جبهة فتح الشام. واقتصر الأمر على بيانات أصدرتها بعض القرى والبلدات وقعت عليها حتى الفصائل المتنازعة على تحييد هذه القرى من النزاع.
ما يزال النزاع قائماً حتى لحظة إعداد هذه القصة. ولا تزال الأحياء في مدينة كفرنبل تعج بالفراغ، ويبقى لدى البعض، بعض الأمل في أن تنتهي القصة دون أي دم جديد.