نازحون في وطننا

قبر فضه، إسم غريب لقرية صغيره جميلة، تتتبع لسهل الغاب في حماه. كنا نعيش حياة رغيده في تلك القرية. كنا نعمل بالزراعه نقوم بزراعة كافة المحاصيل، ونجني لقمة عيشنا من كد يميننا وعرق جبيننا.

 

كان ذلك قبل وضع حواجز حول قريتنا التي تحوّلت إلى سجن كبير. كنا لانستطيع الذهاب إلى مكان سوى ليلاً، خوفاً من الحواجز. رغم ذلك كنا قانعين لأننا في منازلنا، وكان اخوتنا واقاربنا يقومون بالسهر ليلاً على تخوم القرية، خوفاً من مداهمة شبيحة النظام.

 

ومضت الأيام وجاء شهر الصوم، وفي ليلة من ليالي الصيف في العاشر من شهر رمضان، 27 يونيو/حزيران 2015، كنت أنا وابنتيّ الصغيرتين وزوجي نتناول طعام الإفطار، فرحين بهذا الشهر الفضيل، سهرنا وضحكنا قبل أن يحين موعد النوم. ويا ليتني لم أنم تلك الليلة فقد كانت أطول ليلة في حياتي كلها. بعد أن غرقنا بنوم عميق أنا وطفلتيّ الصغيرتين وزوجي، وعند الساعه الثانية بعد منتصف الليل. بدأت براميل الموت بتدمير قريتنا الصغيرة. استيقظ كل من بالقريه على أصوات انفجارات براميل الموت. بدأ السكان بالهرب، وفرّ من استطاع الفرار. ومن لم يستطع فقد ذاق نصيبه من الموت والجروح والألم الذي لن ينساه أبداً.

 

ركضت وأنا وزوجي نحمل طفلتينا الصغيرتين، وداخل احشائي طفلي فقد كنت حامل في الشهر التاسع… وبعد ركض طويل نحو الأراضي الزراعية البعيدة، ورعب لن تعبّر عنه الكلمات، كانت المروحية قد ألقت أكثر من عشرين لغم بحري، وزعتها على حارات القرية. كانت مجزرة مروعة راح ضحيتها الكثير من الأطفال والعجز. ماتت جارتي العجوز هي وزوجها وهم نائمين ببرميل متفجر أحال دارهم رماداً. لقد كانا وحيدين ليس لديهما لا أولاد ولا أقارب. لم تنجب الزوجة الأولاد، ورغم ذلك لم يتزوج عليها من حبه لها. عاشا معا وماتا معا وهما عجوزين لاطاقه لهما على الفرار، فدفنوهما في قبر واحد.

 

أمّا جارتي أحلام فقد فقد أصيبت إصابة بالغة، انتهت بإعاقتها. ماتت ابنتها سيدرا البالغة من العمر أربع سنوات. وأصيب ابنها مصطفى إصابة أودت بإحدى عينيه. ورفيقتي منال، ماتت ابنتها مريم البالغة من العمر سنتين. أذكر حين ر كضنا خلفها وهي تصيح: مريم ماتت، مريم ماتت. أصيبت مريم بشظيه في القلب، كانت تنزف كالطير المذبوح، وما هي إلّا ثواني حتى لفظت انفاسها الأخير

حلب : حي الأنصاري - لجوء بعض العوائل لما تبقى من حدائق للخروج لمحاولة الترفيه عن النفس
حلب : حي الأنصاري – لجوء بعض العوائل لما تبقى من حدائق للخروج لمحاولة الترفيه عن النفس

ة. تاركة خلفها والدة جرحها في قلبها وروحها.

 

حمّوده (إسم دلع لمحمد) ذاك الشاب الذي لم يبلغ من العمر 22 عاماً. مات ولم يعلم أن زوجته كانت تحمل طفله. ربما تركه من أجل عائلته وزوجته عوضاً عنه.

نجونا باعجوبه وعلمنا صباح ذاك اليوم، أن الجيش السوري ينوي اقتحام القرية. وقبل أن يحكم الجيش حصار القرية، فرّ كل من كان قد بقي فيها، خوفاً من بطش النظام.

 

سرنا مشياً على الاقدام لمسافات طويلة، افترشنا الأرض والتحفنا السماء. لم يعد لدينا سوى أرواحنا لنحافظ عليها. بيوتنا وما ادخرناه سرقوه منّا.

 

في 2 تموز/ يوليو 2015، تقدّم الجيش السوري مدعوماً بغطاء جوّيّ. وشن عشرات الغارات على القرية. ما دفع الثوار إلى الانسحاب. دخل جنود النظام قريتنا، فنهبوا البيوت التي لم يدمرها الطيران، قطعوا الاشجار، وعاثوا في القرية فساداً. لقد اقتحموا إحلامنا وبيوتنا وحياتنا. سلبوا منّا كلّ ما نملك وأغلى ما نملك ألا وهي كرامتنا. وللأسف صرنا نسمّى نازحين في وطننا.

 

مريم ابراهيم (24 عاماً) من قرية قبرفضه التابعة لسهل الغاب في حماه. احتل النظام قريتها واضطرت للنزوح مع ابنتيها وهي حامل إلى قرى مجاورة.