مواقع الإعلام السوري الخاص على الإنترنت: تضليل وتعتيم الإعلام الرسمي

شاهين مروة

لم تسقط تفاحة الإعلام الإخباري السوري الخاص بعيداً من الشجرة الرسمية، بفروعها “البروباغاندية” المتشابكة، والتي لطالما منعت ضوء المهنية الإعلامية من الوصول إلى المواطن، بل ومن قبله إلى الصحافي الحكومي صانع الخبر.

مواقع إلكترونية سورية مثل “شام برس”، و”الوطن أونلاين”، و”سيريا نيوز”، و”دي برس”، و”شوكو ماكو”، وسواها من نتاج طفرة دخول الإنترنت إلى سوريا أوائل العقد الماضي، خير مثال اليوم على مدى تغلغل تشوهات الذهنية “الإعلا- أمنية” في مفاصل العمل الصحافي السوري “الخاص” الذي يحلو لمشغليه أن يطلقوا عليه كلمة “مستقل” زوراً ومن دون أي رصيد.فالغالب الأعم من هذه المنابر الإلكترونية الإخبارية في البلاد مملوك مباشرة، أو بطريقة غير مباشرة، لمتنفذين رسميين حكوميين، أو لحيتان المال والأعمال –مع الاعتراف أنه من الصعب التمييز بينهما بدقة- وثمة تدخل مباشر من هؤلاء الممولين في ما يسمى “السياسة التحريرية” للموقع الذي ينحو إلى اتـّباع الخط الرسمي.

فمن الطبيعي مثلاً في سوريا أن يحضر ابن وزير الدفاع السابق جلسة التحرير الأسبوعية لموقع يدفع هو رواتب “موظفيه”، كما في موقع “سوريا الغد”، أو أن يخجل محرر في موقع آخر من ذكر اسم “رب عمله” ذي الارتباطات الأمنية خلال جلسة مفتوحة عن الإعلام الالكتروني في سوريا كما في “دي برس”، أو أن يتم استخدام رئيس التحرير في الحملات الرسمية للخارجية السورية ضد بلدان أخرى كما في “شام برس”، أو أن تغيب التغطية الموضوعية للشأن السوري خلال الانتفاضة الشعبية الحالية ضد النظام عن صحيفة لبنانية لأن مراسلها هو نفسه مدير موقع قريب من السلطة كما في “الوطن أونلاين”.

هكذا، على سبيل المثال، لم يجد موقع “دي برس”- شبه الرسمي، يوم الجمعة الفائت، والذي شهد أكبر التظاهرات المناوئة للنظام منذ ثلاثة أسابيع، سوى خبر واحد ليضعه في منتصف النهار بعنوان “بانياس تشيع شهدائها”، ومن دون ذكر أي من الهتافات المطالبة بالحرية والمنددة بإجرام “قوى الأمن” و”أجهزة المخابرات” مما تناولته أخبار وكالات الأنباء والفضائيات. وفيما يعج موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك” بصفحات “الثورة السورية ضد بشار الأسد”، وصفحات المطالبة بإطلاق معتقلي الرأي في البلاد، نبش محرر الموقع صفحة بديلة بعنوان “معاً لتأهيل سوريا إلى كأس العالم 2014” رغم أن الجميع يعلم في سوريا أن أحد أسباب فشل الفريق الكروي في البلاد هو تغلغل الفساد في مفاصله الإدارية، تماما كفشل الفريق السياسي- الأمني في بناء دولة سورية ديموقراطية عصرية مما جرّ عليه نقمة الانتفاضة الشعبية الأخيرة.

بدوره قام موقع “شام برس” بتوفير تغطية “متميزة” لأحداث “جمعة الإصرار”، كما أطلق عليها منظموها. إذ ورد على لسان مراسله أن الشوارع في مدينة حلب “تعجّ بالجلسات العائلية في الهواء الطلق”، وأنّ “الدخان يتصاعد في الهواء من (مناقل) الشواء”. ولا يفوت المحرر “المهني” التنديد بتغطية وسائل الإعلام الأخرى المشغولة بإدراج أسماء المعتقلين وإعادة عرض ملفات الفيديو التي تصور المنتفضين السوريين في مختلف أنحاء البلاد ومنها مدينة حلب، قائلاً إن “الاحتجاجات التي بالآلاف في مدينة حلب هي أنباء كاذبة”.

ورغم أن أحد أهم مميزات الإعلام الإلكتروني هو تفاعليته، وتواصله الآني مع جمهوره، فإن المواقع الالكترونية السورية في عمومها تحظر على قرائها إدراج “التعليقات” الحرة والمستقلة على الأخبار التي تبثها، وتنفذ “رقابة” صارمة على محتوى ما يصلها من آراء لا تروق لأصحاب القرار “الأمنيين” بداخلها وخارجها. ولا يجرؤ مسؤولو “الوطن أونلاين” أو “شام نيوز” أو “سيريا نيوز” على نشر أي تعليق ينتقد السلطة الأمنية الحاكمة مما يرفعه بصوت عال، في الشوارع، مواطنون سوريون منتفضون في درعا وبانياس ودوما واللاذقية وحلب ودمشق وغيرها من المدن التي سأمت عقوداً من كبت حرية التعبير والتضليل الإعلامي الممنهج.

وتستفيد هذه المواقع الإلكترونية – شبه الرسمية من سياسة النظام في التعتيم الإعلامي الشامل على أحداث الانتفاضة في سوريا، إضافة إلى طرد واعتقال الصحافيين الأجانب والمستقلين، لكي تتمكن السلطة من احتكار فضاء الإنترنت بأخبارها الملفقة أو ذات البعد الواحد على الأقل. كما يلجأ بعض هذه المواقع اليوم إلى فتح صفحات موازية على مواقع التواصل الاجتماعي مثل “فايسبوك” و”تويتر” لبث أخبار توحي بأن “الحياة طبيعية” في سوريا، وأن “الشعب ملتف حول القائد الرمز”.

ليست المطالبة اليوم، وأمس وأبداً، بالإفراج عن الإعلام السوري الأسير ترفاً ثورياً أو نخبوياَ بحال من الأحوال، وإنما تقع في صلب المطالب الأساسية والمحقة التي يرفعها المنتفضون السوريون في الشوارع ويموتون في سبيلها منذ شهر. هو السعي إلى الخلاص من لعنة الإعلام الكاذب والمنافق، والذي تحول بفعل الوصفة الأمنية في البلاد إلى “إعلان” مبتذل مكرور، تشي به تلك الصورة المرفقة بهذا المقال والتي يظهر فيها مؤخراً “إعلان” عن تأييد للرئيس “بشار الأسد” يعلو “إعلانا” آخر لليانصيب على موقع “شام برس” – شبه الرسمي. وكلا الإعلانين يطالب السوريين اليوم بلعب ورقة عشوائية أملاً في فرصة للفوز. وإن كان اليانصيب يحمل وعداً بربح اعتباطي مبني على تمائم الحظ والاحتمالات الرياضية، فإن ورقة النظام لا تحمل، بعد نصف قرن من التجربة والخبرة الميدانية الإجبارية، سوى وعد مضمون بخسارة متجددة.