مواد البناء تعبر بكثافة من تركيا إلى شمالي سوريا
رشا رامي
من يقصد معبر باب الهوى الحدودي بين تركيا وسوريا، تعود به الذاكرة إلى الماضي، عندما كانت التجارة بين الدولتين مزدهرة. فأعداد الشاحنات المحملة بالبضائع، المصطفة على جانب الطريق المؤدي إلى سوريا، تكاد تصل إلى المئات. في المقابل، لا توجد أي بضائع قادمة من الجانب السوري.
الملفت للنظر ليس عدد الشاحنات فحسب، بل أيضاً نوعية البضائع المنقولة، فأغلب هذه البضائع من الحديد الصلب والإسمنت وباقي مستلزمات البناء.
تصطف عند المعبر أكثر من مئة وخمسين شاحنة وقد استلقى معظم سائقيها إلى جانبها، منتظرين فتح البوابة للإنطلاق إلى وجهتهم.
“لا يعتبر مكوثنا في الطريق أو على المعابر مشكلة، فهو شيء عادي بالنسبة إلينا خاصة وأن البضائع المحملة لا تتلف،” يقول محمد، وهو سائق تركي قال إنه قد أمضى يومين عند الحدود. “ولكن المشكلة عندما يأمروننا بالعودة، بعد طول انتظار، بسبب المشاكل الأمنية على الجانب الآخر من الحدود مع تركيا.”
سائق آخر ينظر إلى عمله هذا على أنه دعم للشعب السوري. يقول تشاضاش إنه ذهب إلى قرى إدلب أكثر من ثلاث مرات لنقل الإسمنت: “دعم الثورة والعمل مع الثوار لا يأتي فقط من خلال حمل السلاح؛ أنا تركي الجنسية ولكن برأيي مجرد المخاطرة بدخولي إلى الأراضي السورية تعتبر مساهمة مني في هذه الثورة.”
من جهة أخرى رأى بعض السائقين أن هذه فرصة مناسبة للتجار والمقاولين لاستغلال الوضع العام بنقل البضائع فتجارة البناء من أكثر الأعمال المربحة في هذا الوقت، وستزداد ازدهاراً بعد انتهاء الأزمة نهائياً. حجم الدمار الذي لحق بالقرى والمدن أيضاً يستدعي إعادة تأهيل كامل، كما يقول سليم، وهو تركي الجنسية.
“خلال نقل البضائع استطعت رؤية القرى المهدمة مثل أعزاز مثلاً أو قرى إدلب على اختلافها، بالإضافة إلى ما نسمعه عن الدمار الحاصل في مدينة حلب،” يضيف سليم.
ولكن تجار البناء في تركيا لا يشاطرون سائقي الشاحنات فرحتهم. يقول حكمت جونسول الذي يملك شركة “أوزبوراك” لتجارة البناء والعقارات في أنطاكيا إن أعماله قد تراجعت في الشهرين الأخيرين نتيجة فقدان بعض المواد من السوق، ذاكراً أنّ تجار مواد البناء يفضلون تصدير بضائعهم إلى سوريا لأنهم يتمكنون من بيعها بأسعار أعلى.
“البعض منهم يقوم بتخزين مواده أو بيعها لتجار البناء في سوريا الذين يخزنونها أيضاً بانتظار انتهاء الأزمة بهدف الربح السريع،” يضيف جونسول.
التجار الأتراك والسوريون الذين أشار إليهم جونسول بأنهم يستفيدون من الأزمة، يسهل إيجادهم عند معبر باب الهوى، حيث يقفون لعدة ساعات لتخليص بضائعهم، مستفدين من الهدوء النسبي الذي يعم المنطقة بين الفترة والأخرى.
“في ظل القصف المستمر والتفجيرات اليومية في المناطق المحررة، فإن إعادة إعمار المدن شبه مستحيلة، لذلك نقوم بتخزين البضائع، على أمل بيعها في المستقبل، ولو بأسعار أغلى، فهي بالنهاية تصب في مصلحة بناء الوطن،” يقول مختار، وهو تاجر سوري يخلص بضاعته عند المعبر.
سليمان، وهو موظف يعمل لدى شركة تركية لتجارة حديد البناء، يرى أن أسعار المبيع معقولة، خاصة عندما تكون البضاعة مباعة إلى سوريا، وينفي أن تجار مواد البناء يرفعون أسعار بضائعهم عند بيعها في تركيا، مؤكداً حرصه على زبائنه من الأتراك. إلا أن سليمان يشير فعلاً إلى أن تصدير البضائع إلى سوريا قد ازداد.
“وفي السابق لم تكن بضائعنا مرغوبة كثيراً في سوريا، ولكن اليوم وفي ظل… توقف بعض المعامل عن الإنتاج وصعوبات التنقل، فتحت قنوات بيع جديدة،” يقول سليمان.
تجارة البناء ليست التجارة الوحيدة الناشطة بين تركيا وسوريا، بل أيضاً توسع نقل البضائع أيضاً ليشمل بعض أنواع الأغذية ومواد التنظيف وغيرها من المواد الإستهلاكية. يقول بعض التجار المتواجدين على الحدود إن السبب يعود إلى صعوبة التنقل بين القرى التي يسيطر عليها الجيش الحر والمدن الأخرى وكثرة عمليات السطو على الطرقات،. وبالتالي يفضل هؤلاء التجار دفع أثمان باهظة لقاء البضائع التركية على المخاطرة بالتعرض للسرقة.
بعد ستة أيام من أول لقاء بتشاضاش، كان لقاء ثانٍ معه في المكان نفسه. كانت تفصله عن عبور البوابة نحو خمس شاحنات فقط، وعيونه تتلهف لعبور الحدود، متناسياً الصعوبات التي قد تواجهه، إذ التقى خلال رحلاته السابقة مع عناصر الحواجز على ضمان سلامته وسلامة بضائعه وشاحناته.
تشاضاش بقي يصر طيلة حديثه على أنه يقوم بواجب تجاه جيرانه السوريين: “سأعبر اليوم بإذن الله إلى الأرضي السورية، وانا على استعداد لعبورها مرة أخرى ليس من اجل العمل فقط ونقل البضائع ولكنها مغامرة سأرويها لأصدقائي فيما بعد فهم يعتبرونني أحد أبطال الأحداث في سوريا.”