من حمص الى دمشق الى اللجوء
لاجئين سوريين على الحدود اليونان - صربياز تصوير أحمد الخليل
جاءنا خبر ان الجيش سيدخل الى منطقتنا، وبأنه علينا الخروج. أخذنا زوجي الى اقرب كراج (موقف للسيارات). ومن هناك ذهبنا الى دمشق.
أخبرني زوجي أننا سنقيم عند اخته في منطقة اسمها ببيلا. بقينا عندها ثلاثة أيام، وبعدها استأجرنا شقة في البرامكة. لحقت عائلتي بنا وأقمنا في بيت واحد. ولكن الاشتياق لوالدي الذي بقي في حمص يؤلمني. دامت إقامتنا قرابة الشهر، وقررنا بعدها الذهاب الى لبنان.
خرجنا من دمشق باتجاه الحدود. هناك قالوا لنا أن اهالي حمص لايمكنهم الخروج. جلسنا في الطريق قرابة ساعة ونصف، الى ان اتى احد معارف أبي وأدخلنا الحدود باتجاه لبنان حيث وكان اخي الكبير ينتظرنا. كان أخي قد ترك سوريا قبل الثورة بعدة أشهر هرباً من الخدمة الالزامية.
وهنا بدأت رحلة العذاب والفراق عن وطني. وصلنا في المساء وكان الأقارب ينتظروننا في شمال لبنان وتحديداً في منطقة اسمها التبانة في طرابلس. أحسسنا بالهدوء والامان.
وفي الصباح التالي على وصولنا استيقظنا على أصوات الرصاص والقذائف. قلت لزوجي: ما هذه الأصوات؟ قال: سأخرج ﻷرى. وإذ بأخي ينده علينا ويقول: جميعكم اجلسوا في الممر ﻷنه آمن. آه ثم آه هربنا من الحرب وأتينا الى حرب ثانية. قلت ﻷخي: لم لم تخبرنا أن الامور ليست جيدة هنا. كنا بقينا في بلدنا. قال لي: لا تخافوا دائما تحدث هنا مشاكل بين جبل محسن ومنطقة التبانة.
ياالله ماهذه الشدة التي نحن فيها أولادي وأختي الصغيرة، يبكون من الخوف. انقضى يوم كامل على هذا الحال بلا كهرباء. وفي اليوم التالي وبينما كنت أحضر ابريق الشاي، انقطعت الكهرباء كنت أضع غطاء الابريق سقطت يدي داخله. أصبت بحرق وبدأت بالصراخ ماهذا الوضع.
أخذني زوجي إلى الصيدلية وضمدوا لي يدي. وقالوا لي ليس بالحرق الخطير. أوصلني زوجي للمنزل وذهب الى بيروت. وعند وصولي الى البيت اتى ابني مسرعا فانزلق على الدرج فحملته ودخلنا الى المنزل وقلت ﻷختي أعطني كأسا من الماء ليشرب ابني.
لم يستطع الشرب من شدة البكاء والألم وهو يصرخ: قدمي تؤلمني. وإذ بقدمه منتفخة. فصرخت بصوت عال: أين اخي؟ فقالت زوجته: في الحمام. ندهت أمي عليه وعندما لم يجب، حملت ابني ونزلت به على الدرج. كانت الشقة في الدور السادس. أحسست أن الدرج لا ينتهي. وكنت اصرخ طلباُ للمساعدة ولكن أحدا لم يساعدنا.
خرجت من باب البناء فأقبل نحوي رجل يقول لي: ماذا بك يا اختي؟ فقلت: اريد اخذ ابني للمشفى. أحضر سيارته فقلت له: أخي ورائي. انتظرناه قليلا فنزل وكان لم يكمل لباسه جيدا انطلقنا مسرعين الى المشفى الاسلامي. وعندما دخلنا علموا اننا سوريين رفضوا إدخالنا إلّا بدفع تأمين مبلغ ألف دولار. فقلنا لهم: ليس لدينا هكذا مبلغ تركنا المنزل على عجل. فقالوا لنا: نعتذر عن إدخاله.
كان ابني من كثرة البكاء وصل الى حد الاغماء. وقلت لهم: ارجوكم ابني في خطر. أجبرونا على الخروج من المشفى. الشاب الذي اسعفنا كان بصرخ ويقول لهم: ليس لديكم رحمة. ثم قال لنا: سآخذكم الى المشفى الحكومي، الذي يقع في منطقة القبة. فقلنا له نعم خذنا رجاء.
وصلنا الى غرفة الطوارئ، وأخذوا طفلي من يدي وهو مغمى عليه. أدخلوه وقالو لي: عليك بالهدوء سيكون بخير ان شاء الله. ثم أخذوه الى غرفة التصوير. نظر اخي الي وقال: أين زوجك قلت بأنه اوصلني الى البيت وقال علي الذهاب الى بيروت. اتصل به اخي واخبره ماالذي حصل معناوفقال بأنه سيأتي فوراً…
أخرجوا طفلي وقالوا لي أنه أصيب بكسر في الفخذ. ويتوجب إجراء عمل جراحي ليضعوا له صفائح حديدية، ليعود على ما كان عليه. وقال لنا الطبيب: غداً صباحاً سندخله غلى غرفة العمليات. فقلت له: كيف سنقضي هذه الليلة وهو يتألم. قال سنعطيه بعض المسكنات.
كانت الممرضة تنظر الى يدي وسألتني: لماذا يدك تنزف هل هي مصابة؟ قلت لها: لا مجرد حرق بسيط. فقالت: دعيني القي نظرة عليها. وضعت لي بعضا من المرهم وضمدتها ثانية ونبهتني إلى خطورة الالتهاب. قلت لها: كيف اتألم وطفلي على هذا الحال.
مضى بعض الوقت وإذ بأخي ينده علي ويقول أخرجوا محمد إلى غرفته. وصعدو بنا إلى الدور الرابع. أدخلونا غرفة مشتركة مع طفل آخر. قلت الحمدلله على كل حال …
راضية السعيد (31 عاماً) من حمص ربة منزل متزوجة وام لطفلين لاجئة في لبنان.