ممنوع من السفر! واقع المعارضين في سوريا

“أنا ممنوع من السفر، إذاً أنا موجود في سوريا”، كتبها أحد الناشطين السوريّين على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك”. تعكس هذه الجملة حال الكثير من الناشطين السياسيين والحقوقيين والمثقفين، لا سيما أولئك الذين انخرطوا في الثورة السورية منذ منتصف شهر مارس/آذار عام 2011. فهم لا يستطيعون السفر خارج سوريا رغم عدم وجود حكمٍ قضائيٍ بذلك. وعملت المنظمات الحقوقية على توثيق أسماء المئات من النشطاء الممنوعين من السفر، مع أنّ العدد قد يتجاوز آلاف المواطنين السوريين، وذلك لوجود حالات لم يتم الإبلاغ عنها من قبل الأشخاص المعنيّين أو لم يتم رصدها من قبل منظمات حقوق الإنسان. وسلطات الأجهزة الأمنية هي الجهة الوحيدة التي تعرف العدد الحقيقي لهذه الحالات، وهي لا تعلن عنها.

الحق في التنقل هي من الحقوق الأساسية المصانة في العهود والمواثيق الدولية، سواء عند السفر داخل الدولة الواحدة أو إلى الدول الأخرى. وجاء في المادة الثالثة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنّ لكل فردٍ حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة، كما يحق لكلّ فردٍ أن يغادر أيّ بلد، بما في ذلك بلده، والعودة إليه.

ويقول المحامي والناشط الحقوقي السوري أنور البني إنه رغم رفع دعاوى أمام القضاء الإداري لرفع منع السفر لمخالفته القانون، إلا أن أحدا لم يستجب لذلك.

 “وحتى بعد رفع حالة الطوارئ بحيث أصبح من المفترض أن ينتهي مفعول الأوامر الإدارية وعلى الأقل أن تُستبدل بقراراتٍ قضائيةٍ كما ينصّ القانون، إلا أنّ أحداً من المسؤولين في السلطات الأمنية لم يهتم بذلك،” يضيف البني.

وتعود قضية الممنوعين من السفر في سوريا إلى الثمانينات من القرن المنصرم إبان الأحداث الدموية التي جرت بين النظام السوري وجماعة الإخوان المسلمين، حيث تم اعتقال العديد من ناشطي الإخوان وتصفية أغلبية رموزهم. كمّا تم اعتقال كوادر وقيادة حزب العمل الشيوعي في نهاية العقد نفسه وتعميم أسماء من تمّ الإفراج عنهم ومن كانوا ملاحقين على الحدود وفي دوائر الهجرة والجوازات لمنعهم من السفر خارج القِطر. ويؤكّد أحد النشطاء السياسيّين الذين حُكموا لمدة اثني عشر عاما (1987 – 1999) بسبب نشاطه في حزب العمل الشيوعي أنه مُنع من السفر بعد الإفراج عنه.

 “إلى هذه اللحظة ما زلت ممنوعاً من مغادرة البلاد على الرغم من رفع حالة الطوارئ في البلاد عام 2011،” يقول الناشط.

ويخضع المحامي أنور البني منذ تسع سنوات لأمرٍ بمنع السفر أصدره جهاز مخابرات أمن الدولة فرع 251، عند محاولته الذهاب إلى ألمانيا للحديث عن النائب المعتقل رياض سيف بمناسبة منحه جائزةً هناك.

 “ثم رفع منع السفر عام 2004 وأعيد بعد ذهابي إلى جنيف 2005 ومقابلة رئيسة اللجنة الدولية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة من أجل معتقلي “ربيع دمشق” وهيئة “منتدى جمال الأتاسي” الذين أوقفوا آنذاك وأطلق سراحهم بعد أيام،” بحسب البني، الذي اعتقل عام 2006 وخضع بعد إطلاق سراحه عام 2011 لمنع سفر مرة أخرى من قبل مكتب الأمن القومي وأُجبر على مراجعة الأمن العسكري فرع 294، كما ترفض إدارة الهجرة والجوازات تجديد جواز سفره.

“فُرض منع سفر على زوجتي راغدة عيسى عام 2008 إثر ذهابها إلى إيرلندا لاستلام الجائزة التي منحتها لي منظمة “فرونت لاين” وما زالت ممنوعة من السفر حتى الآن. وترفض السلطات السورية تجديد جواز سفرها بقرار من الفرع 251 – أمن دولة،”  يضيف البني.

ويختم الناشط الحقوقي أنور البني حديثه بالقول: “المسألة متعلقة بنظام كامل وسلطة خارج إطار أي محاسبة أو مساءلة. إما أن يزولا نهائياً أو سيبقى السوريّون معلقين بقرارات أمنية تتحكم بمصيرهم كاملاً دون أي مجال لرفع حالة مخالفة للقانون إلى القضاء أو المطالبة بحقوق إنسان.

ومثال آخر لناشط ممنوع من السفر هو كمال شيخو، صحفي يكتب في نشرة “كلنا شركاء” الإلكترونية ومجلة “جيوبولتيك” الإيطالية، تعرض للاعتقال السياسي ثلاث مرات، وقد  مُنع من مغادرة البلاد في عام 2007 وما زال المنع ساري المفعول إلى اليوم. ويقول الصحفي المعارض: “في سوريا التعبير عن الرأي جريمة، والتهمة التي توجه إلى الناشطين هي النيل من هيبة الدولة وإضعاف الشعور القومي. وكان السبب الذي دفع السلطات السورية إلى منعي من السفر في بداية العام 2007 هو حضوري اجتماع الجمعية العمومية للجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي كنت أعمل فيها سابقا. وصدر البيان الختامي والذي ضم الأسماء التي شاركت في الجمعية. وكنا قد قررنا ان نكتب أسماءنا الصريحة ونقول للعلن أننا عقدنا جمعيتنا العمومية.” ويضيف شيخو: “كانت النتيجة أنّ جميع المشاركين صدرت بحقهم بلاغات منع السفر. وإلى جانب إشارة منع السفر فُرض علينا مراجعة جهتين وهما فرع المدينة التابع لشعبة الأمن السياسي، وفرع فلسطين التابع لشعبة المخابرات العسكرية. وهذا المنع بحكم القانون غير شرعي لأنه لا توجد جهة مدعية أو خصم قضائي. ولكن المخابرات بكافة أفرعها وشُعبها هي صاحبة القرار.”

مازال النظام السوري  يتصرف بالعقلية القديمة التي حكم بها سوريا لمدة خمسة عقود مضت، ويتصور أن الثورة السورية “أزمة” أو “مؤامرة كونية” كما يدّعي ولا يعترف أنّ الشعب قد ثار ضده، ضد تلك السياسات التعسفية التي يفرضها على معارضيه وعلى كل الناشطين ممن قالوا “لا” لحكم الحزب الواحد. فهو ما زال يزج الناس في السجون، يمنع مواطنين من السفر، ويجردهم من الحقوق المدنية.