مفاوضات سلام حزب العمال الكردستاني تثير قلق أكراد سوريا
يوسف شيخو
مع انسحاب مجموعات من مقاتلي حزب العمال الكردستاني (PKK) إلى قواعدهم الخلفية في إقليم كردستان العراق، يكون اتفاق “السلام” بين الحزب وحكومة أنقرة قد دخل مرحلة التنفيذ. الصحافة التركية تفيد بأن خمس مجموعات مسلحة انسحبت من محافظات فان وشرناق وهكارى التركية، مشيرة إلى إن كل مجموعة تضم نحو20 مقاتلاً.
ويتزامن بدء الانسحاب مع تسرب التفاؤل وكذلك الحذر والتوجس إلى الشارع الكردي في سوريا، الذي سيتأثر بنتائج هذه المحادثات. ويتمتع “الكردستاني” وزعيمه عبد الله أوجلان المعتقل في سجن ايمرالي التركي (ألقي القبض عليه في كينيا عام 1999) بنفوذ قوي في المناطق الكردية السورية من خلال فرعه في سوريا حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، الذي يعد أحد الأحزاب الفاعلة في المنطقة. كما ترجح التقديرات أن حوالي عشرين بالمئة من مقاتلي الكردستاني هم من السوريين.
ويرى بعض السوريين في بدء الانسحاب إلى خارج تركيا دون ضمانات “قراراً استسلاميا” لحزب ذي تجربة سياسية طويلة. فيما يتساءل آخرون عن سبب قبول الحزب منع مقاتليه من العودة إلى قراهم ومدنهم، “أليست تركيا بلاد معظم المقاتلين؟”.
يتساءل الحقوقي أحمد عمر (32 عاماً) من القامشلي عن الضمانات التي تقدمها تركيا إلى حزب العمال الكردستاني لقاء الشروع في “خطوةٍ خطرة كالتي نحن بصددها في الأيام القادمة؟”. وهو متأكد من أن قطاعاً واسعاً من الرأي العام الكردي في سوريا يشاطره هذا القلق.
لكن ما يبعث على التفاؤل، وفق حديث عمر، هو الغطاء الدولي لهذه العملية. واشنطن مثلا رحبت بإعلان حزب العمال الكردستاني الأخير بدء سحب قواته، كما رحبت من قبله برسالة زعيمه عبد الله أوجلان في 21 آذار/مارس الفائت. وكان أوجلان قد أعلن دعمه الكامل للمفاوضات ودعا إلى إطلاق سراح المعتقلين من الجانبين، وطالب من جهة أخرى بحقوق للأكراد مكفولة في الدستور التركي . كما يدرس البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ إلغاء وصف حزب العمال الكردستاني بـ”المنظمة الإرهابية”.
المتابع لرسائل أوجلان الأخيرة، يلاحظ تأكيده على أهمية المفاوضات، التي ستغلق ملفاَ دموياً راح ضحيته منذ العام 1984 قرابة 45 ألف شخص، حسب مصادر تركية رسمية. ويعتقد جافي الشيخ (26 عاما)، أن موقف أوجلان “ثابت منذ البداية”، لكن الظروف الدولية والإقليمية هي التي تغيرت. وفيما يرى الشيخ، وهو من أبناء مدينة ديريك (المالكية)، أن في هذه المرحلة بالذات، هناك جدية في التعاطي من الطرفين، يخالفه الرأي الصحفي دلخواز بهلوي (34 عاما). يقول بهلوي إن “موقف أنقرة غير واضح حتى اللحظة”، مبديا تخوفه من احتمال نقل الأتراك الصراع مع الأكراد إلى خارج حدودهم.
ومن العقبات التي يمكن أن تؤثر في سير المفاوضات، وفقا لجافي الشيخ، رفض حزب الشعب الجمهوري والحزب القومي التركيين، اتمام هذه العملية. ويعترض القوميون الأتراك على عملية السلام الجارية ، ويرفضون فكرة التفاوض مع المنظمة المصنفة، تركياً وأميركياً وأوروبياً في خانة المنظمات الإرهابية. وشهدت جامعة أنقرة مؤخراً، صدامات بين مؤيدي المفاوضات من الأكراد ومناهضيها من القوميين الأتراك. جاء ذلك بعد أيام على تحذير وزير الداخلية التركي معمر غولر من تصاعد أعمال العنف ضد عملية السلام في الجامعات.
مسؤول الإعلام في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا (PYD) نواف خليل، يعتبر أن هناك مؤشرات واضحة على وجود توافق أميركي أوروبي باتجاه الدفع لحل القضية الكردية في تركيا. وعلى ما يقول خليل، فإن الجانب التركي جاد هذه المرة في التعاطي مع قيادة حزب العمال الكردستاني، لكنه يستدرك: “يجب ألا ننسى أن الحكومة التركية ستستخدم كل ما تملك كي لا يتمكن ممثلو الشعب الكردي من الوصول الى مبتغاهم، وهو الاعتراف الدستوري بالشعب الكردي، وإيجاد اطار حل يعكس حقيقة الوجود الكردي كشعب وكردستان كجغرافيا”.
ولا يشك الأكراد السوريون في تأثير نتائج هذه المحادثات المباشر على مستقبلهم في سوريا. ويلفت بهلوي إلى أن تركيا “تحتضن المعارضة السورية وتؤثر فيها. وفي حال التوصل إلى سلام في تركيا، فإن ذلك سيؤثر بالضرورة على موقف الأتراك وبالتالي على موقف المعارضة السورية من قضية الأكراد في سوريا”.
وفيما يشير جافي الشيخ أيضا إلى أن الأسابيع الماضية أظهرت أن هناك تأثيرات ايجابية للمحادثات في تركيا على الاكراد في سوريا. وكمثال يذكر تحسن العلاقات بين كتائب تابعة للجيش السوري الحر ومقاتلي وحدات الحماية الكردية (YPG التابعة لـ PYD) في مناطق كردية سورية. وذلك بسبب توقف تركيا عن تحريض الكتائب ضد الاكراد، إلّا أن الأمور تسير على غير ذلك. إذ تشهد منطقة عفرين اشتباكات عنيفة بين كتائب من المعارضة المسلحة ووحدات الحماية الكردية.
ويعتقد المسؤول الاعلامي لحزب الاتحاد الديـمقراطي (PYD) نواف خليل أن الانعاكسات الإيجابية للمفاوضات بين “الكردستاني” وأنقرة بدأت تظهر، وما التصريحات الأخيرة للرئيس المؤقت للائتلاف الوطني السوري جورج صبرا، وإعلانه للمرة الأولى، قبول الائتلاف بدخول الهيئة الكردية العليا إلّا مؤشرات “تعكس ما طرأ من تغييرات على مواقف بعض اطراف المعارضة السورية القريبة من تركيا”. واللافت أن حزب (PYD) الممثل في “هيئة التنسيق الوطنية” المعارضة ليس على وئام مع “الائتلاف الوطني السوري”.
سبق أن صرح مسؤولون أتراك بأن المطلعين على مضمون المفاوضات لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين. ويعترف الكثير من الأكراد السوريين بأن غموض المحادثات، من حيث مطالب الحزب وآلية تنفيذها من جانب الحكومة التركية، هو السبب الأبرز لإثارة مخاوفهم، مؤكدين أن مصيرهم في سوريا مرتبط حكما بنتائج هذه المحادثات.