معرض لإعادة إعمار سوريا تحت القصف

يعبر الباص المجاني المخصص لنقل الزوار طريق مطار دمشق الدولي، تقبع عقربا بأبنيتها المدمرة يمينه، وتتلاشى حركة السيارات بشكل ملحوظ عند الاقتراب من الوجهة المقصودة: مدينة المعارض، حيث تقيم مؤسسة الباشق للتجارة والمعارض التي يرأسها تامر ياغي المنسق العام للمرصد السوري لضحايا العنف والإرهاب: معرض إعادة إعمار سوريا.

المدينة مقفرة بعد أربع سنوات على إغلاقها يسبقها مبنى خرب محطم الزجاج، كان يعرف بنادي دمشق العائلي المجمع الترفيهي الكبير الذي لطالما احتضن سهرات أغنياء دمشق. الأشجار متعبة مغبرّة لقلة الاهتمام، وبعض قمامة تتطاير في هواء المكان الفسيح، وعلى الباب مفرزة أمنية تجمع البطاقات الشخصية للمشاركين للتأكد من انتمائهم إلى عائلات ومناطق مرضيّ عنها. تدخل بعدها مبنى المعرض الوحيد الهادئ جداً، لتملأ استمارة تفصّل فيها أسباب زيارتك وغرضها مع معلومات الاتصال والعنوان كاملة.

يشارك في المعرض 65 شركة محلية وعربية وأجنبية، بحسب وكالة الأنباء السورية سانا، لكن عدد مساحات العرض الموجودة لا يتجاوز الأربعين، بمشاركة معظم وزارات الحكومة التي احتلت أكبر المساحات. السياحة، الكهرباء، الماء، التعمير والإسكان بالطبع، والهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري التي أنشئت بهدف تفعيل دور القطاع الخاص وجذب الاستثمارات العربية والأجنبية.

في سوريا كان حلم معظم المواطنين  امتلاك منزل، واضطر أكثر من نصف السكان لترك بيوتهم، حوالي 52,5% من السوريين حسب تقرير مركز بحوث السياسات في سورية نهاية 2014. تسوق هيئة التطوير العقاري اليوم لمشاريع سكن فيلات في مناطق كسوق وادي بردى في ريف دمشق ودارة عزة في حلب، المدينتين اللتين غالباً ما تذكران كجبهات لمعارك حامية.

منشورات معرض إعادة إعمار سوريا فيما الحرب مستمرة

الوجود الأمني بألوان البزات العسكرية الترابية ينتشر في زوايا المعرض، كما في معظم أركان المدينة، لكن هذا لم يفقد السيد عمار عمار الأربعيني الذي يذكر بتجار سوق الحميدية ببساطة هيئته حماسته للتحدث عن مشاريعه كمدير لشركة ليد لايت لايتس، المتخصصة بالإنارة منخفضة الاستهلاك للطاقة، والتي تعمل على بطارية السيارة، التي بدورها أصبحت جزءاً من حياة السوريين في ظل انقطاع التيار الكهربائي المتكرر وغيابه في محافظات عدة. “الوقت مناسب جداً للاستثمار” يقول بتأكيد وهزة رأس.

معظم الشركات الخاصة المشاركة في المعرض لبنانية الجنسية، شركات مستوردة للأنابيب والحديد وأنظمة التدفئة والتبريد، وغيرها للمعدات وبناء الفلل والقصور كشركة REMARK الفخورة بمشاريعها في لبنان، والراغبة بفتح خطوط جديدة للعمل في سوريا. تبادرك العارضة بأوراق وملفات لمشاريعهم الفخمة، والصور الزاهية لقصور كبيرة تملأ البروشور المقدم، تنبري بحماسة في الشرح عن محتوى قوائم طويلة لعروض الأسعار مع وعود بتسهيلات الدفع وسؤال عن معلومات التواصل لتقديم مزيد من العروض.

يتصرف المشاركون بحرفية رجال الأعمال المعهودة، الحديث عن مشاريعهم السابقة، والترحيب بأي عميل محتمل، والمحاولات الجادة لعقد صفقات. يتطلب منهم هذا إدعاء اطمئنان لمجريات الأمور في سوريا، رغم أن كل ما هم فيه من مكان وظروف عرض لا ينبئ بذلك. الرغبة بتحصيل الربح هي الدافع والمحرك الأول، وهذا على ما يبدو يقتضي تفاؤلاً وابتسامات سعيدة.

لعل الشركات العامة السورية لا تحتمل عبئاً كهذا، فالموظف المسؤول عن عرض مشاريع إسكا المؤسسة العامة للإسكان، يستفيض في شرح أهمية مشروع السكن الشبابي، وتغطيته لحاجات الآلاف من المواطنين، لكنه يشيح بنظره إذا تسأله عن مشاريع قادمة أو توسعات “لا شيء في المدى المنظور، ترون الوضع” ويصمت بعدها عن أي إضافات.

ممثل شركة الجوبي السورية للتجارة والمقاولات، والتي تقوم منذ الثمانينات بإنجاز أعمال إنشائية ضخمة، يتحسر عند سؤاله عما حل بمشروعي فندق الموفنبيك في كفرسوسة وفندق الهوليداي إن في شارع الثورة، ويهرب إلى الحديث عن مول باب مصلى المنجز هذا العام بعد توقف في العمل منذ 2012.

التدمير الكارثي للبنى التحتية والأبنية تجلى انكماشاً في الناتج الإجمالي لقطاع العقارات بنسبة 47% نهاية العام 2014 حسب مركز بحوث السياسات، نتيجة التدهور الاقتصادي وبيئة العمل غير الآمنة بسبب النزاع المسلح، وارتفاع حالة عدم اليقين لدى المستثمرين والسكان على حد سواء. فالأبنية السكنية والتجارية فقدت دورها بوصفها مخزناً للقيمة، بسبب التقلب  في أسعار صرف العملة، وتخريب السجلات والوثائق العقارية في بعض المناطق، ما يعرّض حقوق الناس في ممتلكاتهم للانتهاك.

هذا ما تسمعه من كثير من أهالي المناطق التي خضعت لسيطرة المعارضة ثم أعاد النظام سيطرته عليها. عدنان محامٍ من داريا، هجر بيته منذ ثلاثة أعوام. ورغم إعلان القوات الحكومية تحرير المنطقة الشرقية من داريا حيث كان يقطن، إلا أنه منع من العودة إلى منزله، فهي منطقة عسكرية حسب ما ذكر له الحاجز المسؤول عن المنطقة لدى محاولته العودة. “يقولون أن المنطقة ستباع ولن يمكننا المطالبة بأملاكنا”  يقول عدنان، يأتي هذا مع تفعيل للمرسوم رقم ٦٦، الصادر في أيلول/سبتمبر ٢٠١٢، الذي يقضي بتنظيم عدة مناطق عشوائية منها داريا.

ويرى عدنان أنه يجدر تسمية المعرض، معرض بيع البلد بدل إعادة إعمارها، فالتفكير الآن بالتعمير والطيران مستمر بالتخريب ينبئك برغبة مبطنة بالاستفادة مما يمكن قبل نهاية وشيكة، وليس بمؤشر لتحقيق بيئات مستقرة للاستثمار، فيما لا يزال القائمون على المعرض يصرحون بأن شجاعتهم في الوقوف في وجه الإرهاب هي الدافع لما يقومون به، يقول مدير مؤسسة الباشق لتنظيم المعارض تامر ياغي لسانا: “سوريا التي لم تسقط على مر العصور، لن تسقط اليوم. رغم الإرهاب الذي يضربها، سوا رح نعمرها”.

حديث العودة في باص الزوار اشتمل على إعجاب بإقامة المعرض فيما لا تبعد أقرب جبهة سوى كيلومترات قليلة، وقناعة بلا جداوه، وكأن هذه أسباب تنظيمه في الأساس، دعاية لاستمرار الصمود، دون داعٍ لأي فوائد عملية حقيقية.