معاناة البحث عن مسكن في دمشق

سلام السعدي

(دمشق، سوريا) – نزح عهد (35 عاماً) مع زوجته وطفله الصغير عن منطقة القابون على أطراف دمشق، ليتنقل في سكنه، بين منزلي أهله وأهل زوجته طيلة أربعة أشهر كان يبحث خلالها عن منزلٍ للإيجار. يقول عهد: “وجدت ضالتي أخيراً في منطقة دمّر البلد، عن طريق المصادفة وبمساعدة أحد الأقارب، إذ لا يبدو أن ثمة منازل شاغرة في دمشق”. ويضيف: “وعندما يحالفك الحظ، وتعثر بصعوبة على منزلٍ شاغر، ستصدمك كلفة الإيجارات وتدفعك لإعادة النظر بخياراتك من جديد”.

على مدى العامين الماضيين، تواصلت موجات النزوح الهائلة من ريف دمشق الذي تحول إلى ساحة حرب، إلى مركز العاصمة أو بعض أحيائها الآمنة.

هكذا، ازداد الطلب بشكل حاد على المنازل الشاغرة، وارتفعت أسعار الإيجارات بصورة عامة ولمستويات قياسية لم تعرفها مدينة دمشق من قبل. وهو ما زاد من أعباء الدمشقيين والباحثين عن ملاذ في العاصمة “الآمنة”، وبدا كما لو أن لا منازل شاغرة يمكن أن تستقبل نازحين جدد.

ساحة الشهبندر في دمشق – "عدسة شاب دمشقي"
“ساحة الشهبندر في دمشق – “عدسة شاب دمشقي

ترك سامي (30عاماً) مع زوجته حي برزة. “بانتظار العثور على منزل للإيجار، مكثت مع زوجتي في الفندق. واتضح أن الأحياء الآمنة في محيط دمشق حيث الأسعار مقبولة، باتت محدودة للغاية، وكذلك المنازل الشاغرة فيها”، بحسب ما قال سامي، وأضاف: “في أحياء مثل جرمانا وصحنايا وقدسيا، حيث تقصدها عادة الفئات متوسطة الدخل، تتراوح أسعار الإيجارات بين 25 و35 ألف ليرة للمنازل (بين حوالي 167 و234 دولار) المتواضعة جداً، نحن نتحدث عن أحياء خارج العاصمة”. هكذا، اتخذ سامي من غرفة الفندق في سوق ساروجة سكناً بديلاً عن المنزل المستقل، “ندفع 800 ليرة سورية (حوالي خمسة دولارات) عن كل يوم، يشمل ذلك مصاريف الكهرباء والماء، فضلاً عن كون الفندق قريب جداً من مكان عملنا”.

الأسعار تقفز تبعاً للمنطقة، وتتقارب في بعض أحياء وسط دمشق مثل المهاجرين والبرامكة والعدوي والمزرعة والمزة وحتى في دمشق القديمة، وتتراوح تبعاً لموقع المنزل ومساحته بين 50 ألف و100 ألف.

العجز عن مجاراة تلك الأسعار دفع نسبة كبيرة من السوريين إلى تجربة السكن المشترك. وهي ظاهرة باتت منتشرة على نطاق واسع في العامين الماضيين. إذ تقطن أكثر من عائلة في منزلٍ واحد، وتتقاسم العبء الثقيل للإيجار الشهري. سكن أحمد وعادل، وهما أخوان في الثلاثينيات من العمر، طيلة سنوات في مخيم اليرموك في منزلين متجاورين كلُ مع عائلته. لكن النزوح، قبل أكثر من عام، اضطرهما إلى تجربة السكن المشترك في منزل واحد في منطقة جرمانا. يقول أحمد: “كلانا يعمل موظفاً في الحكومة، ولا يمكن لأي منا أن يحتمل عبء الإيجار منفرداً”. أما عادل فيشرح بامتعاض: “ليس سهلاً على الإطلاق أن تشترك في السكن مع أي عائلة أخرى، برغم كوننا اخوين، الأمر صعب ومزعج وكلانا يعلم ذلك، لكن لا خيار لدينا”، ويضيف نقطة سلبية أخرى: “لا نتمكن من إيجاد منزل للإيجار بسهولة، إذ غالباً ما يرفض صاحب المنزل تأجيره للعائلات الكبيرة والمتعددة، خوفاً على الأثاث”.

ليس السعر المرتفع للإيجار هو العقبة الوحيدة التي تواجه المستأجرين، بل أيضاً “الشروط الصعبة وغير الإنسانية التي يفرضها غالبية المؤجرين علينا” كما تقول دنيا (47 عاماً). تعيش دنيا، وهي ربة منزل، مع عائلتها في منزل مستأجر في منطقة مساكن برزة، ويدفعون شهريا 45 ألف ليرة سورية بدل إيجار. تشرح كيف خيّرها صاحب المنزل بعد ثلاثة أشهر من استلامه بزيادة الإيجار من 38 ألف إلى 45 ألف ليرة سورية، أو الدفع مقدماً لستة أشهر. تقول دنيا: “دفعنا المبلغ. أعتقد أننا عائلة محظوظة بوجود ولدين لنا يعملان في الإمارات، ويعينان الأسرة على دفع الإيجار”.

يقدر الباحث في الاقتصاد العقاري عمار يوسف لموقع الاقتصادي أن “هناك جموداً كبيراً في حركة البيع والشراء في السوق العقارية، في حين تشهد عمليات التأجير ارتفاعات شاهقة وكبيرة في الأسعار، نتيجة فرز المناطق إلى آمنة وساخنة، حيث تم رفع الإيجار من قبل المستغلين، إلى أربعة أضعاف ما قبل الأزمة”. فيما يبرر أبو نضال (50 عاماً)، وهو صاحب مكتب عقاري في مساكن برزة، ارتفاع أسعار الإيجارات بـ”الارتفاع العام في أسعار جميع السلع والخدمات، فضلاً عن انخفاض سعر صرف الليرة، ما يعني أن من حق صاحب المنزل رفع الإيجار لكي لا يخسر”.

والحال أن أسعار الإيجارات قبل اندلاع موجة التضخم الأخيرة أي قبل العام 2011، لم تكن على خير ما يرام. إذ تعتبر مرتفعة جداً إذا ما قيست بمتوسط الأجر الشهري في سوريا. وقد بلغ هذا الأخير في العام 2010 نحو 13 ألف ليرة، وهو ما يعادل إيجار منزل في ضواحي دمشق في العام نفسه.

وكانت أحدث دراسة للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الاسكوا”، قد كشفت عن دمار نحو مليون ونصف المليون منزل في سورية. وبينت الدراسة، بحسب ما نشر موقع الاقتصادي، أن نحو 7 ملايين شخص تأثروا بالدمار، وأنّ 3 ملايين شخص اضطروا للنزوح، وفقد مليون مواطن ممتلكاتهم بشكل كامل. وحلت محافظة ريف دمشق في المرتبة الثانية بعد حلب في سلم المحافظات الأكثر عرضة للدمار، وذلك بدمار نصف منازلها، والتي قدرت بـ 303 آلاف منزل، تحتاج لـ 145 مليار ليرة سورية لإعادة إعمارها.

ويبقى أن كل هذا الدمار هو في محيط العاصمة دمشق، ما جعلها تبدو أشبه بقارب نجاة، ظل يضيق بركابه الوافدين من المحيط ومن مختلف المحافظات حتى صار من العسير جداً استيعاب ركاب جدد.  وهو ما يؤلم سامي الذي يقول بحزن: “تركنا خلفنا منزلين جميلين في حي برزة، وتهنا في العاصمة بين ندرة المنازل الشاغرة، وارتفاع أسعارها، وجشع بعض مالكيها”.