مطلب بإنشاء مخبز في قرية ساحلية يكشف غضباً شعبياً وحساسيات طائفية
(بيت ياشوط واللاذقية، سوريا) – تعاني ناحية بيت ياشوط كباقي القرى في ريف جبلة، محافظة اللاذقية، من نقص حاد في الخدمات، ويأتي مشروع إنشاء فرن في القرية بالنسبة للأهالي كمطلب أول ضمن لائحة الخدمات التي يحتاجونها والتي يرون أنها من حقهم. هذا المطلب الحيوي جاء الرد عليه بالرفض وهو ما ضاعف النقمة في القرية التي تبدو كـ “بركان خامد قد ينفجر في أية لحظة”، بحسب ما يقول منتجب (29 عاماً) الذي يبدي تخوّفه من أن يتحول رفض إنشاء المخبز إلى “القشة التي ستتسبب في خروج الأمور عن السيطرة فيما لو زادت الدولة إهمالها لطلبات الناس وتجاهلها معاناتهم”.
منذ تسعينات القرن الماضي تحولت بيت ياشوط ذات المساحة الواسعة من قرية إلى ناحية تتبع لها عدة قرى ومزارع، كما ترتبط بجميع القرى المحيطة بها بشبكة من الطرق. تغير وجه القرية واتجه نحو شكل المدينة الصغيرة التي يتجاوز عدد سكانها الـ 20 ألف نسمة، وازداد عدد العابرين فيها، بعد أن افتتح فيها طريق يصل السهل الساحلي مع مدينة جبلة ومع سهل الغاب إلى الشرق ثم مدينة حماه.
من أجل ذلك تعتبر ناحية بيت ياشوط اليوم المنفذ الأساسي لقطاع كبير من قرى وبلدات الغاب المحاصرة من جهة الشرق، ومطلب إنشاء المخبز، وفقاً لأهالي القرية، كان لتلبية الاحتياجات المتزايدة، نتيجة شراء الخبز من خارج البلدة. فمصدر الخبز الوحيد عبارة عن سيارة من مدينة جبلة تمر بالقرية يومياً، وتبيع ربطة الخبز بسعر 25 ليرة سورية، فيم تباع ربطة الخبز المدعومة من الدولة في المناطق التي يسيطر عليها النظام بـ 15 ليرة، لذا لم يعد هذا الحال يرضي الأهالي.
ورفع أهالي قرية بيت ياشوط طلباً إلى محافظ اللاذقية بإنشاء فرن خبز في القرية، وطالبوا باستئجار بناء تابع لمديرية للتنمية الريفية لإقامة الفرن عليه، إلا أن الأرض المقام عليها بناء التنمية الريفية تعود مسؤوليتها لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، كما أخبر المحافظ الأهالي. وجاء الرد من الوزارة برفض الطلب.
وأثار رفض وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل في الحكومة السورية كندا الشماط طلب إقامة مخبز في بيت ياشوط موجة من ردود الفعل الغاضبة وخصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي. فبرزت تعليقات مثال “اعتبرينا نازحين يا سيادة الوزيرة، اعتبرينا من أهالي دوما والمعضمية”. وبررت الشماط رفضها طلب الأهالي إقامة مخبز، بحسب وثيقة تناقلها ناشطون موالون للنظام، بأن المعروض المقدم من الفعاليات الحزبية والاجتماعية في ناحية بيت ياشوط لا يطابق الشروط، وفقاً للقرار الجمهوري رقم 1007، والذي يعود للعام 1958 وبموجبه لا يجوز تأجير المراكز أو قسما منها إلى جهات أخرى.
إثارة القضية من زاوية جواز استئجار مخبز من مجلس المدينة أو البلديات أو إنشاء فرن، أو مطابقة الشروط، أثارت حفيظة البعض. يقول عقبة (55 عاماً)، وهو أب لجندي قضى خلال المواجهات في حلب “ثلاث سنوات من الأزمة والألم يعتصر قلوبنا، ضحينا بأولادنا وهم قطعة من أرواحنا… في سبيل وطن يسكنه الجميع، لكننا بتنا واثقين أن لا أحد يقيم وزناً لما قدمناه، كيف لأحد منا أن يقايض ما بين إنسان ورغيف خبز”؟
من جهته يشكو موظف شركة النقل مُضر (27 عاماً) من عدم إثارة هذه القضايا في الإعلام ويقول: “لم يحرّك الإعلام الرسمي ساكناً عندما وقعت مجازر اللاذقية (في آب/ أغسطس 2013)، ولن يتحرك اليوم من أجل رغيف الخبز”. وفي الإطار نفسه يأتي كلام سهيل (32 عاماً): الجميع يعلم أن لا شيء يمشي الآن بالقانون، وأن هناك تجاوزات كثيرة تحدث، فهل باتوا الآن مصرّين على تطبيق القانون في هذه القضية تحديداً؟ وتساءل: “ألم يحصل الصناعيون الذين نزحوا من حلب إلى مناطق الساحل على تراخيص لبدء ورشات عملهم؟ ألم يصدر محافظ طرطوس قراراً ينص على ضرورة إنشاء مجمع سكني خاص لإيواء 2500 نازح”؟
يبدو الربط بين مطلب إنشاء المخبز والوضع الاقتصادي المتردي وغياب فرص العمل والمنافسة من النازحين حاضرا وإن بشكل مباشر. فرغم تجنب الأهالي الإشارة إلى أعباء هذا النزوح إلا أن هناك الكثير من التحولات والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على مدن الساحل منذ بدء الأزمة قبل ثلاث سنوات. وأولى هذه المشاكل ارتفاع أسعار العقارات مع استقبال اللاذقية وحدها أكثر من مليون نازح بحسب ما أفادت بعض التقارير.
من ناحية أخرى بدأت منطقة الساحل تستقطب الاستثمارات، نتيجة تدفق الأموال الحلبية إليها وتأسيس التجار الحلبيين مشاريع تجارية وصناعية، يتخوف البعض أنها ستكون على حساب أهالي الساحل الذين حرموا هذه الفرص.
ولا يقتصر الخوف من المنافسة بل يتعداه إلى إثارة حساسيات طائفية ودعوات لطرد النازحين بتهمة أنهم يشكلون “بيئة حاضنة للإرهابيين”، بحسب تعبيرات بعض مناصري النظام.
عبد الله عمر (51 عاماً) تاجر حلبي انتقل مع أخوته الأربعة إلى مدينة اللاذقية قبل سنتين، افتتح محلاً لبيع أجهزة الكمبيوتر وصيانتها في ساحة الشيخ ضاهر في اللاذقية، وهو ينفي وجود أي مشكلة أو تمييز يطاله وغيره من التجار ويقول: “لا صحة لهذه الاتهامات… ولا شيء يجبرنا على البقاء في مكان نتعرض فيه للإهانة، لكننا فعلاً شعرنا أننا في منطقتنا وبين أهلنا، وهذا ما يجب أن نشعر به لأننا جميعا سوريين”.
بدوره نفى تاجر الألبسة في شارع هنانو زيد عثمان وجود أي تذمر من سكان المدينة تجاه التجار الحلبيين و”حتى تجاه تجار آخرين قادمين من محافظات أخرى، وإلا لما كان استمر هؤلاء التجار في العمل والسكن في منطقة غير مرحب بهم فيها”.
ولكن مصطفى (40عاماً) صاحب المقهى في ساحة الشيخ ضاهر له رأي مختلف، إذ يقول إن “خوف سكان المنطقة الأصليين أو التجار أصحاب المحال مشروع، ليس لأنهم طائفيين، بل لأن اعتراضهم على أي أمر أو مشروع يخص أي طائفة أخرى يقابل مباشرة باتهامهم بالطائفية، على اعتبار أن معظم النازحين هم من الطائفة السنية”. ويضيف مصطفى: “يحق لسكان المنطقة التعبير عن هواجسهم ومخاوفهم فهناك تغيير في الديمغرافيا المكانية والسكانية بعد قدوم النازحين”.
تخوّف مصطفى يوافق عليه عُقاب (29 عاماً) وهو يدير مكتبة في اللاذقية إذ يقول: “نحن نستقبل النازحين في بيوتنا، وأولادهم يساندون الجهاديين والإسلاميين الذين يقتلون أولادنا”.