مصير معلق لمشاريع تشغيل النازحين
سالم ناصيف
(دمشق، سوريا) – يتذكر ناصر (42 عاماً) بفرحته عندما تمكّن من جمع مبلغ عشرة آلاف ليرة من عمله في ورشة لقطف التفاح وإرسالها إلى والديه المسنين، رغم قلتها “فالكحل أفضل من العمى” حسب تعبيره. نزح ناصر وعائلته أوائل صيف 2012 إلى مدينة السويداء، وترك أهله برفقة أقاربه في إحدى قرى ريف حمص.
المبلغ الذي تقاضاه ناصر هو ثمرة عمله لصالح بعض مشاريع تشغيل النازحين، وهي مشاريع أبصرت النور عقب موجة النزوح الكبيرة التي حصلت في دمشق وريفها تحديداً، حين اضطر مئات آلاف النازحين القادمين من المناطق السورية لتكبد عناء نزوحٍ جديد قاصدين مناطق أخرى كان منها محافظة السويداء في الجنوب السوري.
بقيت مشاريع تشغيل النازحين أو ما يعرف محلياً بـ “الورش التشغيلية” بعيدة عن دائرة الإهمام والتداول الإعلامي، رغبةً من النشطاء بتحييدها عن الاستهداف من قبل القوات الحكومية، حسب ما قال عابد (34 عاماً) الذي تحدث عن أول تجربة حدثت في محافظة السويداء حين قامت مجموعة من الناشطين بتشكيل ورش تشغيلية توفر العمل في قطف وتخزين التفاح. استطاعت هذه الورش تأمين أكثر من مئة فرصة عمل لنازحين بأجر يومي قدره 700 ليرة سورية، ما كان يعادل 13 دولار في ذلك الحين، واستمرت الورشة مدة تقارب الشهرين.
ويقول عابد “جاءت تلك الخطوة في زمن بالغ الصعوبة امتاز بضعف تأمين المساعدات المادية، واقتصارها على مساعدات يقدمها أبناء السويداء، ولم يكن لدينا في ذلك الوقت خبرة في كيفية تأمين تبرعات وإجراء حملات خاصة، من شأنها المساهمة الفعالة في تأمين موارد تساعدنا في تقديم الدعم للنازحين، لذلك مكنت التجربة من سد ثغرة كبيرة والتخفيف من عبء تأمين المساعدات الفورية للنازحين”.
لكن عابد يرى أن تلك التجربة كانت محددة ولم تدم طويلاً نتيجة ارتباطها بموسم، واقتصرغيرها من تجارب تشغيل النازحين على مبادرات فردية مكنت أعداد بسيطة جداً من النازحين من مزاولة أعمال تؤمن لهم بعض الدخل.
رباب (22 عاماً) ناشطة في مجال الإغاثة في ريف دمشق، قامت بمشاركة مجموعة من زملائها بتأسيس ورشة لصنع البطانيات أمنت 14 فرصة عمل لسيدات نازحات، حسب ما ذكرت. وتم تأمين رأس المال بواسطة صندوق لجمع تبرعات أهلية، بالإضافة إلى تبرعات الناشطين أنفسهم. كان يتم تصريف المنتجات من خلال بيعها لمجموعات إغاثية أخرى تقدمها لنازحين في مناطق عملها.
وعن البرنامج التشغيلي تقول رباب إنه “مدروس والناشطين يعملون وفق منهجية خاصة لمساعدة النازحين على العودة بشكل تدريجي لممارسة الحياة والتخلص من الآثار النفسية التي يعانون منها جراء ما تعرضوا له من أحداث”.
تتحدث رباب أيضاً عن ثلاث ورش إضافية أنشئت في ريف دمشق بجهد ومال محلي. أحد تلك المشاريع اختص بصناعة الألبسة الصوفية وآخر كان خاصاً بصناعة “الأكسسوارات”. أما الأخير، فكانت مهمته تحضير الصناعات الغذائية كالمؤونة وصناعة المربيات والمخللات وغيرها من الأطعمة التي تصنع في مواسم محددة وتحفظ في البيوت، بالإضافة إلى مطبخ ملحق بالورشة الأخيرة يقوم بتنفيذ ولائم خاصة لقاء أجر محدد. وكان يصار إلى تصريف المنتجات من خلال عرضها من قبل نشطاء على عائلات متعاطفة مع النازحين أحياناً وأكثر الأحيان يتم إرسالها لبيعها خارج سوريا. وكانت النازحات يتقاضين بدل أتعاب هو عبارة عن ثلث السعر المنتجات المباعة. فإذا كان سعر كنزة الصوف 900 ليرة سورية كانت السيدة التي عملت عليها تحصل على 300 ليرة منها.
وتشير رباب إلى “أن تلك المشاريع قدمت أكثر من خمسين فرصة عمل تناوب عليها أكثر من مئة وعشرين امرأة نازحة حسب ظروف انتقال تلك العائلات أو بقائها في مناطق النزوح”. وتعتقد رباب أن التهديد الأكبر الذي كان يخشى منه في إفشال تلك المحاولات كان يتعلق بالظرف الأمني وواقع الاشتباكات الذي طال أغلب الريف الشرقي في دمشق. وقد توقف معمل صناعة البطانيات لأسباب تتعلق بعدم إمكانية متابعة العمل من قبل الناشطين بعد اقتحام مناطق دمر وقدسيا الواقعة غرب دمشق في رمضان 2012 حيث كان مقر المشروع هناك حسب ما ذكرت رباب.
رغم ولادة تجربة الورش التشغيلية في داخل سوريا إلا أن بعضها امتد إلى دول النزوح كما حدث مع منظمة “غوث” التي أنشأها مجموعة من الشباب في تموز/ يوليو 2011 في دمشق وتوسع نشاطها بعد ذلك ليشمل محافظات سورية أخرى، وحسب ما ذكرت عفراء (25 عاماً) وهي من الأعضاء في غوث، فأن أول ورشة نظمت في أوائل العام الحالي بعد تأمين رأس مال قدرة 15 ألف ليرة سورية ما كان يعادل حوالي200 دولار حينها، تم جمعها من نشطاء المنظمة لشراء مواد أولية للخياطة وحياكة الصوف، وأسسوا بها مشروعاً حمل عنوان “الدفء من صنعنا”. مكّنتهم الأرباح المتلاحقة من فتح باب آخر للمشروع في ريف حماه، وتضاعف رأس المال حتى امتد المشروع إلى بعلبك في لبنان، ليشاركوا هناك بمعرض استطاعوا من خلاله بيع جميع المنتجات، ولا زالوا مستمرين في العمل إلا أنهم يعانون من غلاء أسعار المواد الأولية وصعوبة تصريف المنتجات في الداخل.
تعاني جميع المشاريع التشغيلية التي قامت بها مجموعات إغاثية من صعوبة تصريف المنتجات، ما يهدد بتوقفها نتيجة الأحوال الاقتصادية السيئة، بالإضافة إلى الظروف الأمنية التي شكلت العائق الرئيسي، وسبباً في ضرب بعضها وتشتيت العناصر المشرفة عليها جراء ملاحقتهم واعتقالهم. الاعتقاد السائد هو ان النظام يجرّم كل من يعمل بالإغاثة ويحيله على محكمة الإرهاب كما حدث مع ناشطين في ريف دمشق.
ويجمع أكثر من التقينا بهم في هذا الخصوص من الناشطين على أهمية تلك المشاريع لكنهم يقولون إنها لا تكفي لحل مشكلة ملايين السوريين المشردين. ويعتبر سامر (39 عاماً): “أن السبب الأكبر وراء بقاء العمل بشكله المحدود، أن تلك المشاريع قامت بمبادرات محلية من قبل مجموعات إغاثية ذات إمكانيات فقيرة، ولم تحظ تلك المشاريع بدعم قوى سياسية أو منظمات إغاثية، وبقيت المعونات الإغاثية المقدمة للشعب السوري مقتصرة على الدعم العيني، والذي في أغلب الأحيان يتم التعبير عنه بسلة غذائية”.