مصياف: بين طائفية النظام وطائفية المعارضة

*معمرجي

ملاحظة: جرت الإستعاضة عن أسماء الأشخاص الحقيقيين بأسماء مستعارة حفاظاً على سلامتهم.

شعارات موالية للرئيس الأسد وحزب البعث في مصياف. تصوير: معمرجي

تنتشر الحواجز بين القرى في ريف مصياف بكثافة منذ عدّة أشهر. تبدو الحواجز عاديّة في الصباح مقارنة مع ما ينقله السكان عن الصرامة التي يبديها عناصر الأمن في المساء. عاد العناصر إلى التعامل مع المسافرين على الطريق بلطف منذ أشهر قليلة بعد حوادث كان بعضها دامٍ. رغم التفتيش الدقيق والتأكد من البطاقات الشخصية، فهم يحافظ على احترام العابرين من أبناء المنطقة. ولكن هذه المعاملة لا تكون عادة من نصيب المعارضين.

مهنّد (28 عاماً)، وهو تخرّج للتوّ من الجامعة، يصف تطور نظرة القوى الأمنية إلى أبناء منطقة مصياف. فهي وإن كانت تخص أهالي الحولة السُّنة بمعاملة “مميزة”، أصبحت قلما تفرق بين معارض سني وآخر علوي أو إسماعيلي.

“قبل المظاهرات في مدينة مصياف كنّا نحسّ بالخجل والعار لأنّ المؤيدين السنّة يلقون معاملة أسوأ من المعارضين العلويين أو الإسماعليين، أمّا بعد مظاهرتي تشييع إسماعيل حيدر ومحمود شيحاوي أصبحنا نعاني على الحواجز؛ بدؤوا يهينون كلّ من ينتمي إلى المدينة.”

وكان قد اغتيل الناشط المعارض إسماعيل حيدر، وهو نجل الوزير الحالي والمناصر للنظام علي حيدر، في شهر أيار/مايو 2012. وقد تبادل النظام والمعارضة الإتهامات حول اغتياله. أما محمود شيحاوي فهو مجند في الجيش السوري مات أثناء اعتقاله لدى الأجهزة الأمنية.                                                                                                                                                                 

يعيش مهند، الذي ينتمي إلى المذهب الإسماعيلي، في حلب، وقد شارك في المظاهرات الشهيرة في حرم جامعة المدينة في شهر أيار/مايو. عند مرور مهنّد بأحد الحواجز عائداً إلى مدينته مصياف وجّه إليه عناصر الحاجز إهاناتٍ عديدة.

 “شعرت بالفخر يومها، قلت لنفسي: الحمد لله أنّنا أصبحنا جزءاً من ثورة الشعب السوري؛ الإهانة من الأمن فخر لي ولكل ثائر من مصياف،” بقول مهند.

تقع مدينة مصياف في محافظة حماه على السفح الشرقي للجبال الساحلية. يعيش فيها خمسون ألفاً من الإسماعيليين والسنة وبعض العلويين، وتحيط بها حوالي 130 قرية يسكنها العلويون والمسيحيّون باستثناء سهل الحولة ذي الأغلبية السنيّة، الذي شهد مجزرة في شهر أيار/مايو راح ضحيتها المئات من المدنيين. لا يسمح بدخول وسائل النقل العامّة أو الخاصّة إلى قرى الحولة دون وجود مبرّر يرضي منطق عناصر أمن وميليشيات “اللجان الشعبية” الموالية للنظام. بعد أن انتفضت الحولة، تحوّل طريق حمص مصياف من سهل الحولة الذهبيّ المزروع بالقمح إلى سفح الجبل الوعر المغطى بالغابات.

عند المرور بالقرى ذات الأغلبية العلوية المحاذية للحولة كالقبو وميرمين ترى صور قتلى الأمن والجيش معلّقة في الشوارع؛ العبارات على الصور تفتخر بهم وتعتبرهم أبطال الدفاع عن الوطن. تتواجد أيضاً صور الرئيس بشار الأسد بكثرة، إذ يسيطر مؤيدو النظام على الجوّ السياسيّ والأمنيّ. بالنسبة إلى المواطن السوري القادم من حلب أو دمشق تبدو هذه المناطق حكراً على “شبيحة” النظام مثلما بدت العديد من مناطق هاتين المدينتين قبل عام أو أقلّ. لكنّ السيطرة هنا قد فرضت بالقوّة، حيث يدرك العلويون تحديداً بين جميع مؤيديّ النظام مدى عنفه.
إذ يتبين من الحديث إلى هؤلاء أنهم ينظرون إلى الأزمة السورية كتهديد لوجودهم، وليست أولويتهم الحفاظ على وجود النظام.

يظهر الإرتباط بين النظام وأبناء الريف، فقد سهّل النظام السوري دخولهم (غالبيتهم من العلويين) السلك الوظيفي الحكومي، كما سمح باستصلاح العديد من الأراضي في ريف مصياف، وهو ما سبّب توتّراً مناطقياً بين أبناء الريف وأبناء المدينة، وقد أخذ هذا التوتر طابعاً طائفياً. فأبناء المدينة يشعرون بالغبن بسبب تفضيل النظام لأبناء الريف عليهم. أمّا أبناء الريف، فيشعرون بظلم تاريخيّ بسبب النظرة الفوقيّة تجاه الفلّاحين التي يتشارك بها أهل المدن السوريّة، ويخافون أن يكون مستقبلهم مثل ماضيهم.

رغم أنّ النظام السوريّ يفرض تأييده على أبناء ريف مصياف بعد أن تيقّن من عدم جدوى محاولاته في المدينة، مازال البعض منهم  يشارك في الثورة رغم صعوبة العمل في مجتمع  يسوده الخوف من المستقبل.

عليّ، تاجر من إحدى قرى مصياف، يدعم ثوار ريف حماه ماديّاً. هو علويّ ولكنه يخجل من أن يشار إليه حسب انتمائه الطائفي.

“الثورة السورية قامت لنكون جميعاً متساوين أمام القانون، أي لنكون جميعاً مواطنين لا يفرقنا دين أو عرق أو انتماء سياسيّ بل يجمعنا انتماؤنا إلى الوطن،” يقول علي. “بالتالي لا أرى ضرورة لأروّج لمشاركتي بصفتي علويّاً؛ أنا أشارك بصفتي سوريّاً.”

الطائفية “الثورية”

ندرت الأحداث الطائفية في المنطقة منذ سنوات طوال، إلا أن حالياً كلاً من النظام والمعارضة يساهم بتأجيج التوترات الطائفية.

بالرغم من الإعتقاد السائد بأن الثورة طابعها سني، إلا أن اتهام بعض مناصري المعارضة بالطائفية جاء من أحد النشطاء السُّنة أنفسهم من أبناء مصياف.

“النظام استفزّ المشاعر الطائفية لدى أبناء المنطقة بجميع الطرق، لكنّ الأنجح كان ما أنجزه الطائفيون المعارضون،” يقول معتز، الطالب الجامعي الذي ينتمي إلى الطائفة السنية.

يلمّح معتزّ هنا إلى تجاهل الإعلام المعارض سقوط قتلى من أفراد الأمن والجيش ومسؤولية المعارضة عن بعض أحداث القتل الطائفي، وهي شكوى رددها الكثير من الأهالي لدى الحديث إليهم. أمّا الأسوأ فربما يكون الخطاب الطائفي على فضائيات تزعم دعمها للثورة السورية، بحسب رأي بعض من تحدث إلينا، كالوصال وصفا. وتطال الشكوى حتّى الجزيرة والعربية اللتين تتجاهلان الحراك السلمي في مصياف.

“لم نعانِ يوماً مع تلفزيون أورينت، فقد نشر التقارير التي نقوم بصناعتها لأنّه يتبع خطّاً وطنياً سوريّاً،” يقول زياد إبراهيم، الناشط الإعلامي في مصياف.

“يوم استشهد اسماعيل حيدر راسلتنا الجزيرة وكذلك العربية لنقوم بصناعة التقرير وهو ما فعلناه، أمّا مع مرور الوقت فتبتعد المحطتان عنّا. أُدرك أنّ مصياف لم تنتج حراكاً يسرق الأنظار، كما أنّ الحالة المدنية السلميّة لا تتناسب مع سياسة تلك المحطات،” يضيف إبراهيم، متهماً المحطتين بالتركيز فقط على نشاط المعارضة المسلحة وأخبار القتل والدمار.

يدرك ناشطو مصياف قبل غيرهم مدى طائفية بعض الجهات المشاركة في الثورة، وجاء خطف العديد من أبناء مصياف على يد مسلّحين معارضين في ريف حلب وريف إدلب والتعامل معهم بشكل طائفي بحت ليؤكّد مخاوف أبناء المنطقة بشكل عامّ. يشرح مهنّد الذي يعيش في حلب الآن خوفه من كثرة التنقل في مناطق تخضع لسلطة الجيش الحر: “أخاف الخروج من حلب، أفضل الآن البقاء تحت القصف في منطقة تحتضنني على السفر إلى مصياف الآمنة حيث أهلي، لأن بعض حواجز الجيش الحرّ قد تقوم باعتقالي بسبب انتمائي المناطقيّ والطائفيّ.”

*معمرجي هو الإسم القلمي لمدون سوري