مشاكل السجل المدني في حمص بين الاعتراف والرشوة والاعتقال
“من أجل أن نحصل على المساعدات، نقوم بالتسجيل في مكتب السجل المدني التابع للمحكمة الشرعية، أو المجلس المحلي في ريف حمص” يقول محمد الذي امتنع عن ذكر اسمه الكامل. وتعتمد منظمات الإغاثة المحلية في ريف حمص على بيانات السجل المدني لإثبات وجود عائلة وأطفال أثناء تقديمها المساعدات للعائلات المحتاجة. وتهتم المنظمات بوجود هذه الوثائق بغض النظر عن مصدرها، سواء كان من دوائر النظام أم من السلطات الإدارية في المناطق المحررة مثل المحاكم الشرعية أو المجالس المحلية.
ويعاني محمد كالعديد من الأهالي في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في ريف حمص، من عدم اعتراف أي جهة حكومية بوثائقه الصادرة عن مكتب السجل المدني التابع للمحكمة الشرعية. فهي معترف بها من قبل الجهات المسيطرة على هذه المناطق فقط.
المدير التنفيذي لرابطة المحامين السوريين الأحرار، المحامي سامر الضيعي، يعتبر أن “رسمية هذه الوثائق تأتي من كونها مؤرخة وفق تسلسل زمني وشكل قانوني معين، إضافة لتوقيع موظف، فهذا ما يمنحها صفة الرسمية نوعاً ما”. ويتوقع الضيعي “أن تكفي هذه العوامل للاعتراف بهذه الوثائق من قبل بعض الدول أو المؤسسات”.
محمد كالكثير من أهالي مناطق ريف حمص، لا يستطيع تسجيل أوراقه في دوائر النظام، لأنه مطلوب لأحد فروع الأمن. وحتى إن لم يكن مطلوباً لن يتمكن من دفع التكاليف الباهظة التي يتطلبها التسجيل عند مؤسسات النظام.
وبحسب أنس الأكسح وهو أحد المهتمين بمتابعة قضايا الأحوال الشخصية في ريف حمص “تصل التكاليف المفروضة من قبل النظام إلى 15 ألف ليرة سورية لتسجيل عقد الزواج، اضافة لضريبة الزواج والتي تزداد بازدياد المهر. فيما يكلف تسجيل الوفاة مبلغ 35 ألف ليرة سورية، وشهادة الولادة 15 ألف ليرة سورية”.
ورغم ارتفاع هذه التكاليف، فضّل أبو أحمد وهو أحد سكان قرية الدار الكبيرة، تسجيل زواجه لدى مكتب السجل المدني التابع لنظام، ويقول أبو أحمد “لأن وثائق النظام هي المعترف بها داخل وخارج سوريا، لجأت لدوائر النظام ودفعت مبلغ 15 ألف ليرة سورية مع ضريبة الزواج ورشوة لبعض الموظفين وعمولة لمعقب المعاملات الذي قام بمساعدتي لتسيير معاملتي”.
من جهته يوسف الأحمد من قرية الغنطو يقول “لم أسجل أبنائي الثلاثة لدى المكاتب الموجودة هنا، ولا لدى مكاتب النظام، لأنها لن تفيدني بشيء “. وعن تأثير عدم تسجيله للأطفال لحصوله على مساعدات إضافة لدخولهم المدرسة دون تسجيل، يقول الأحمد “أنا لا أنتظر المساعدة من أحد، فأرضي التي أزرعها هنا تسد حاجتي وحاجة عائلتي، أما المدارس فهي متوقفة أصلاً، وإن وجدت فهي خطر كبير على الأطفال، في ظل القصف المتواصل على مناطقنا “.
يشير الأكسح إلى “أن عدد الولادات بين العامين 2015 و 2016، تراوح من 5 إلى 10 حالات في اليوم الواحد. بينما تم تسجيل 620 عقد زواج في الزعفرانة وحدها بين عامي 2015-2016” .
ويفيد رئيس المحكمة الشرعية في قرية تيرمعلة التي تتولى إدارة مكتب السجل المدني الشيخ رائد عز الدين أنه “في قرية تيرمعلة فتجاوز عدد حالات الولادة بين عامي 2015 و 2016 الـ 400 مولود. وقد وصل عدد عقود الزواج المسجلة إلى 370 عقداً، أما الوفيات فقاربت 175 حالة”.
ويقول الشيخ عز الدين عن آلية العمل “عند تسجيل الولادة، يطلب من العائلة ختم شهادة الولادة من القابلة القانونية أو المشفى الميداني، ومن ثم ختمها من مختار المنطقة أو المجلس المحلي، بعدها يتم تسجيلها في مكتب السجل المدني التابع لإدارة أحد المجالس أو المحاكم أو المنظمات في المنطقة”.
وبحسب الشيخ عز الدين، يتم تسجيل كل عقد زواج أو حالة ولادة أو شهادة وفاة بوثيقة بنسختين. نسخة تحفظ في مكتب السجل المدني لدى المحكمة الشرعية ونسخة لصاحب الحالة. ويتم الاحتفاظ بهذه الوثائق ضمن مكتب المحكمة بشكل ورقي وبشكل الكتروني. “وهذا لضمان وجود أكثر من نسخة في حال تعرضها للاتلاف” يؤكد عز الدين، مشيراً إلى أن بعض المحاكم المتعاونة مع المجالس المحلية تقوم بإعطاء نسخة لمكتب المجلس لتكون الوثائق محفوظة بشكل محكم وسري قدر الإمكان.
أما عن التسجيل في مكتب رابطة المحامين السوريين الأحرار في مدينة الرستن يقول الضيعي المدير التنفيذي للرابطة “يعمل مكتبنا ضمن المجلس المحلي للمدينة ، وإن إجراءات تسجيل أي حالة لدينا تتم كما نص قانون السجل المدني السوري مع تعديل بعض الإجراءات” .
ويوجد في كل منطقة أو قرية في ريف حمص مكاتب للسجل المدني ، منها لدى المحاكم الشرعية، ومنها لدى المجالس المحلية، و هي متعاونة في ما بينها، بالإضافة لمساعدة ملحامين و المهتمين بالسجل المدني.
“وبحسب نص القانون والدستور السوري، فإن ما تقوم به مراكز ومكاتب السجل المدني حالياً يسمى حفظ المركز القانوني للأشخاص وتثبيت الوقائع في حال وقوعها، وحفظ حقوق الأشخاص في هذه المرحلة، و تعتبر قانونياً حفظ مركز قانوني وحفظ واقعة” يقول المحامي الضيعي.
ينتظر محمد والأهالي متأملين حصول هذا الاعتراف بوثائقهم، ليتمكنوا في نهاية المطاف من الحصول على هويات لأولادهم وإدخالهم للمدارس بشكل نظامي في المستقبل.