مركز يتيم لـ “الثلاسيميا” في كفرنبل
سمر (14عاماً) من مدينة معرّة النعمان تجلس على الكرسي بجوار والدها، لا يبدو عليها الخوف الذي يظهر جليّاً على وجه أحمد (12 عاماً) من سهل الغاب بريف حماه. هناك حيث الغرفة الصغيرة، بجانب بنك الدم في مدينة كفرنبل، يجلس نحو 15 طفلاً ينتظرون دورهم. ليس من أجل التبرع بالدم بل من أجل نقل الدم إليهم، بسبب مرض “فقر دم البحر الأبيض المتوسط” الذي يعانون منه أو “الثلاسيميا”.
أكثر من 200 شخص مصاب بمرض الثلاسيميا في مناطق إدلب وريف حماه الشمالي، يتردد هؤلاء بانتظام على المركز الوحيد المتخصص بالثلاسيميا الكائن في مدينة كفرنبل في ريف إدلب الجنوبي.
الطبيب عبد الباسط سليمان (48 عاماً) يقول “نظراً لعدم وجود أي مركز لمعالجة هذا المرض في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في إدلب، وفي ريف حماه الشمالي، كان لا بد من إنشاء هذا المركز، ليعنى بهؤلاء المرضى”.
وبحسب سليمان “بدأ المركز بشكل تطوعي من قبل كادره المؤلف من طبيب واختصاصي تخدير وثلاثة ممرضين. المركز لا يتلقى أي دعم مالي من أي جهة، أما بالنسبة للمعدات الطبية، بعضها كان هبة من هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية”.
يحتاج المركز إلى 400 عملية نقل دم شهرياً للمصابين بالمرض، حيث يحتاج كل منهم إلى عمليتي نقل شهرياً، يستهلكها المركز من بنك الدم في كفرنبل، الذي يقوم بتنظيم حملات تبرع بالدم من أبناء المنطقة، من أجل تأمين الدم اللازم للمركز ولحاجة المشافي الميدانية في ريف إدلب.
مدير بنك الدم بدر الشامان يؤكد اعتماد مركز الثلاسيميا عليهم بشكل كامل في احتياجاته من الدم اللازم للمرضى.
عمر بصيص (45 عاماً) والد سمر المصابة بهذا المرض، كان يخاطر بالذهاب إلى مناطق سيطرة النظام في محافظة حماه ليعالج ابنته. عمر أب لولدين يقاتلان ضمن جيش الفتح التابع للمعارضة، والذي يخوض معارك تعتبر الأعنف ضد قوات النظام في ريف حماه الغربي. لذلك كان يعتقد أن الانتقام وارد باعتقاله هو وابنته من قبل حواجز النظام على الطريق. افتتاح المركز كان بمثابة الإنقاذ لعمر من المخاطرة، والذهاب إلى مناطق سيطرة النظام.
يحتاج مريض الثلاسيميا إلى نقل الدم بشكل دوري مرة كل شهر، وربما كل بضعة أسابيع. ويحتاج المريض فقط إلى كريات الدم الحمراء التي تفصل عن البلازما، وتقدم للمريض.
والد أحمد المصاب بمرض الثلاسيميا محمد ذيبان (40 عاماً) من سهل الغاب بريف حماه يقول: “في هذا المركز لا يوجد جهاز فصل كريات الدم الحمراء عن البلازما، وهم ينقلون الدم بدون فصل”.
رئيس التمريض والمخدر في مركز الثلاسيميا عثمان فارس الحسن يقول إن المركز يحتاج إلى توسيع أكثر، والانتظام في الدوام، ويحتاج أيضاً إلى بعض المعدات اللازمة مثل جهاز “فصل الدم” لنتمكن من إعطاء المريض كريات الدم الحمراء فقط، كما أننا بحاجة لزيادة عدد العناصر بسبب ازدياد عدد المرضى لدينا.
المريض جهاد السبع من قرية “بسقلا” يبدو والده راضياً عن المركز، ويعتبره خدمة كبيرة بالنسبة للمصابين بهذا المرض. ويقول أبو جهاد: “قبل إنشاء المركز كنت مضطراً لأخذ ولدي شهرياً إلى محافظة حماه لنقل الدم إليه، وهذا شكل عبئاً ثقيلاً عليّ، فبالإضافة إلى مخاطر الطريق، التكلفة كبيرة وإنا بحالة مادية متوسطة لا تساعدني على دفع التكاليف شهرياً”.
ويضيف السبع: “المركز هنا وفر علينا الكثير، وهم ينقلون لنا الدم بالمجان، كذلك يقدم لنا المجمع الطبي الذي يقع بجوار المركز الدواء بالمجان”.
يستقبل المركز المرضى يومي الأحد والأربعاء من كل أسبوع، حيث بلغ عدد المرضى بحسب الحسن 400 مريضاً خصوصا بعد معارك سهل الغاب بين المعارضة والنظام للسيطرة عليه، مما جعل سكان السهل يلجؤون إليه، ما زاد العبء على المركز.
يحتاج المركز يومياً إلى 40 ليتر من المازوت بالإضافة إلى 150 دولار كلفة التحاليل للمرضى. أما بالنسبة للأطباء فيعتبرون أن العمل بالمركز تطوعي يهدف إلى توفير العلاج للمرضى، فالأطباء لديهم عيادات خاصة يتقاضون أجرهم منها.
الدكتور عبد الباسط سليمان مدير المركز يقول: “أنا لدي عيادة خاصة بي، أعتاش منها”. أمابالنسبة لــ “كيتات” التحليل فتقدمها لنا هيئة الإغاثة الإسلامية، كما تقدم جمعية الهدى الخيرية العاملة في كفرنبل ثلاث براميل من المازوت (600 ليتر)، كما أن منظمة اتحاد المكاتب الثورية العاملة في ريف إدلب الجنوبي، تقدم برميلين من المازوت شهرياً (400 ليتر)، بالإضافة إلى بعض التجهيزات داخل المركز.
يقول السليمان: “نحاول ما استطعنا لكي يبقى المركز مستمراً فهو المركز الوحيد لهذا المرض الذي يعتبر من الأمراض المستعصية، وتحتاج إلى العلاج بشكل أسبوعي”.
كما ناشد السليمان جميع “الجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني في مدينة كفرنبل لدعم المركز كي يستمر في العمل”.
عمر بصيص والد سمر وفر له المركز علاجاً مجانياً لابنته وأماناً من النظام حيث يقول: “لا تتخيل مدى الخوف الذي يعتريني عندما يقترب موعد الجلسة في حماه، مع أن ابنتي هي المريضة ويجب عليها هي الخوف، أما أنا فكنت أخاف من حواجز النظام وأخاف إن لم أذهب أن أفقد ابنتي، يجب على الجميع مساندة هذا المركز”.