مرض زواج الأقارب في ريف إدلب
طفلة تعاني من مرض الثلاسيميا تصوير رزان السيد
تنظر علياء (29 عاما) إلى طفليها المريضين، تتمنى لو أن الزمن يعود بها كي ترفض الزواج الذي كان سبباً في مرض طفليها. تتنهد بحرقة وتقول “الحمد لله على كل حال”.
علياء واحدة من عشرات بل مئات النساء في إدلب وريفها، اللواتي تزوجن من أقاربهن. وهو الزواج الذي يتسبب بتشوهات وامراض وراثية. عادة زواج الأقارب في سوريا كانت شائعة قبل الثورة، غير أن محافظة إدلب تحتل الصدارة بهذه الظاهرة التي ازدادت أثناء الثورة لأسباب عديدة. وكانت سببا هاما في ارتفاع معدل الإصابة بالأمراض الوراثية والتشوهات والأمراض المزمنة بين الأطفال.
تقول علياء “من الطبيعي في مجتمعنا أن تتزوج الفتاة من ابن عمها او ابن خالها. لاسيما وأن معظم الأهالي هم أنفسهم أقرباء”. وتضرب مثالا على ذلك بكون والدها هو ابن عم والدتها. ولكنهما لم ينجبا أولاداً مصابين بأي تشوهات خلقية، على عكس زواجها من ابن عمها الذي انتج طفلين مصابين بمرض ضمور العضلات الجزعي. وهو مرض يحول دون نمو جسم الطفل بشكل سليم ويبقي حجمه صغيرا قياسا مع عمره.
وتعزو علياء أسباب زواج الأقارب الى حصر الثروة ضمن العائلة. وأحيانا بسبب تسلط الأعمام الذين يحجرون على بنات اخوتهم الجميلات لأبنائهم، ويحولون دون زواجهن من الغرباء حتى وإن وصل الأمر بالبعض للتهديد بالسلاح.
سهير الرحال (25 عاماً) وقف ابن عمها في وجه زواجها من غريب، وكان يردد دائما “إما أن تكون لي وإما ليست لأحد”. ولأن سهير لا ترغب بالزواج به كونها تكرهه فقد اضطر أهلها لإرسالها إلى منزل أخيها الذي يعيش مع عائلته في العاصمة. وهناك تقدم لخطبتها شاب وتزوجت به بعيدا عن ابن عمها الذي كان على استعداد لقتل من يقدم على الزواج من سهير.
البعض كن ضحية زواج الأقارب رغم إرادتهن. إلا أن البعض الآخر لا يمانعن هذا الزواج لإعجابهن بأبناء أقاربهم ورغبتهن بالاقتران بهم. وكل ما يحلمون به هو حياة جديدة مليئة بالتفاؤل والسعادة ينتج عنها ذرية صالحة تزيد حياتهم فرحا وسرورا.
غير أنهم في هذه الحالة يفوتهم التفكير بأن الحمل والإنجاب قد يصاحبه ما لم يطرأ على بالهم ولم يتخيلوا أنه من الممكن أن تحدث لهم. حنان العاهي (38 عاماً) من مدينة معرة النعمان تزوجت من ابن عمها الذي تحبه وعاشت معه حياة سعيدة توجت بولدين سليمين ولكن الولدين الثالث والرابع كانا مصابين بمرض فقر دم البحر الأبيض المتوسط (الثلاسيميا).
تضطر حنان للتوجه لبنك الدم الموجود في كفرنبل كل 20 يوما لتغيير دم الطفلين اللذين طغا على وجهيهما الشحوب والمرض. تقول حنان بحزن وقلق “لم أعد أجرؤ على الحمل والإنجاب خوفا من أن أجني على أطفال آخرين وخاصة وأن الطبيبة أكدت لي امكانية تكرر هذه الظاهرة لدى أطفالي المستقبليين”.
حنان تحمد الله أنها حظيت بولدين سليمين أنقذوا زواجها “لا شك بأن زوجي كان سيتزوج بأخرى من أجل انجاب أولاد أصحاء، حتى إن لم يكن راغبا بالتخلي عني، فهو في النهاية يجب أن يكون لديه فرصة لانجاب أولاد يحملون اسمه ويرثونه من بعده”.
الطبيبة المختصة بالأمراض النسائية أسماء شعبان (35عاماً) تتحدث عن مخاطر زواج الأقارب والأمراض التي يمكن أن تنتج هن هذه الظاهرة، وأهمها الأمراض الوراثية خصوصا ذات الصفة “المتنحية” يكون فيها الأب والأم سليمين ولكنهما حاملين للموروثة بنسبة 25 بالمئة، ومن هذه الأمراض الثلاسيميا.
الثلاسيميا مرض وراثي خطير ولكنه غير معد، ويحتاج لعلاج مدى الحياة على شكل عمليات نقل دم شهرية وتناول يومي للدواء لإزالة الحديد الزائد في الجسم قبل أن يترسب في أجزاء مختلفة من الجسم.
تحذر شعبان من أن عدم اتباع العلاج بانتظام قد يؤدي إلى فقر دم مزمن، والى شحوب الوجه وتشوهات عظمية وتأخر في النمو. مما يفضي في النهاية الى الموت المحتم. وتصف شعبان علاج هذا المرض بأنه مكلف ماديا ومؤلم معنويا سواء بالنسبة للمريض أو الأهل. أيضا هناك مرض متلازمة داون ومرض الضمور الدماغي.
شهيرة تعتاع (31 عاماً) متزوجة من ابن خالتها وهي تتألم لحال أطفالها الثلاثة المصابين بمرض الضمور العقلي، فهم طرحاء الأرض ولا يستطيعون الحركة أو النطق أو حتى الجلوس رغم أنهم أصبحوا في عمر يتراوح بين 9 و 12 عاماً. .
شهيرة لا تشكو من أي مرض، ولا حتى زوجها. في حين أرجع معظم الأطباء الذين عرضت عليهم مشكلة أطفالها الى زواجها من قريب لها. وهي الآن لا تستطيع إلا أن تدعو لجنينها القادم بأن لا يكون حاله كحال أخوته فهي وإن تشعر بالذنب لأنها حملت ثانية غير أنها يبقى لديها أملا بإنجاب ولو طفل سليم واحد يملي عليها حياتها التي وصفتها “بالمظلمة”.
وتعليقا على حال شهيرة التي لم تظهر تحاليلها وتحاليل زوجها وجود أي مشكلة صحية أو مرض وراثي لديهما تقول الطبيبة هلا الخطيب (30 عاما) الأخصائية بالأمراض العينية ومديرة المركز الطبي النسائي في كفرنبل “إن الأمراض الوراثية كثيرة جدا، كما أن الكثير من الأمراض الوراثية تكون ناتجة عن خلل في الجينات التي تقدر أعدادها بحوالي الثلاثين ألف جين”.
تنصح الطبيبة الخطيب الخاطبين إجراء فحوص طبية عديدة لمعرفة إذا ما كان أحدهما حاملا لجينات أمراض وراثية وتفادي هذا الموضوع قبل أن يجنوا على أطفالهم في المستقبل ، ليس ذلك وحسب وإنما تحث الطبيبة الخطيب على تقصي التاريخ المرضي لعائلة كل منهما وذلك تحاشيا لنقل المرض لأسرتهما الجديدة.
“الشرع لا يمانع زواج الأقارب ولكن بشرط توخي الحيطة والحذر والأخذ بالأسباب عن طريق إجراء الفحوصات اللازمة” كما يوضح الشيخ أحمد الخطيب (45 عاما).
من جهة أخرى فاتن السويد (38 عاما) المرشدة الاجتماعية تندد بظاهرة زواج الأقارب التي انتشرت بشكل كبير في بعض مناطق إدلب وريفها والتي قدرتها ب 50 بالمائة وفقا لجولاتها التوعوية، من خلال عملها بمنظمة سوريا للإغاثة والتنمية.
تقول السويد “إن معظم حالات التشوهات الخلقية التي تولد مع الأطفال سببها زواج الأقارب. ومؤخرا أصبح هناك ظاهرة الزواج بأرملة الأخ التي تكون هي أيضا إحدى قريبات الشخص مما يتسبب أيضا بانتقال أمراض وراثية للذرية”.
وعن أسباب هذه الظاهرة تذكر السويد “حصر الميراث ضمن العائلة، التسلط بين أبناء العمومة، النزوح العائلي وهنا فإن معظم الأسر لا تثق بالغرباء على عكس الأقارب النازحين معهم”.
وبين هذه الأسباب وتلك النتائج، تبقى ظاهرة زواج الأقارب في تزايد مستمر. مما يهدد بزيادة نسبة التشوهات الخلقية بين الأطفال، تضاف الى زيادة أعداد مصابي الحرب التي بلغت مستويات قياسية، مع ارتفاع وتيرة الحرب السورية عاما بعد عام .