مرآة فايسبوك التي تعكس صورتنا دون تدخل

"فيما تأخذ النقاشات السياسية مساحةً واهتماماً كبيراً على ساحات التواصل الاجتماعي السوري، تعمل منصة فايسبوك على إتاحة المجال أمام الآراء المتنوعة للتفاعل والحوار. "

يعمل اليافعون السوريون اليوم على الخروج من الباب الخلفي للحرب، ليعيدوا اكتشاف مدنهم بنظرةٍ جديدةٍ مختلفة. يتواصلون مع غيرهم ضمن حدود الوطن أو خارجه، ويبنون علاقاتٍ جديدة، عابرة للحدود التي فرضتها عليهم وقائع حربٍ قسمت البلاد، وتركتهم محاصرين خلف أفكارٍ مسبقة عن الآخر غذّتها الحرب بطبيعة الحال.
يتجه اليافعون إلى مواقع التواصل الاجتماعي محاولين كسر الصور النمطية الجاهزة عن الآخر، وخلق مساحاتٍ جديدة تساهم في الخروج من حالة التقوقع والخوف.
مواقع التواصل الاجتماعي بوصفها جزءاً من أدوات التكنولوجيا الحديثة التي ينظر إليها على أنها لعبت دوراً في صناعة الحروب، لا بد أن تكون موضع سؤال عن مدى إمكانيتها وقدرتها، على لعب دور مغاير في صناعة السلام، وتعزيز التماسك المجتمعي في بلد يعتبر الأقل سلمية في العالم وفق المؤشر العالمي للسلام.
ولمقاربة الموضوع لا بد من محاولة توضيح آلية عمل هذه المنصات، وبخاصة منصة فايسبوك التي يستخدمها اليافعون السوريون بشكلٍ يومي. وتشير بعض التقارير إلى أن 90% من السوريين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 34 عاماً يستخدمون هذا التطبيق يومياً.
من المعروف أن ليس كل المحتوى الذي ينشر على الدوائر الاجتماعية الخاصة بالمستخدمين، تتم رؤيته والتفاعل معها.
وفق فايسبوك فإن حوالي 2% فقط من القصص تظهر للمستخدمين في تحديثات الأخبار على حساباتهم. وهذا يعني أن كل تحديث حالة يتنافس مع 499 تحديث آخر للظهور في تحديثات الأخبار.
وهذه التحديثات تشمل كل ما يفعله المستخدمون عبر حساباتهم من إعجاب أو تعليق أو تحديث حالة أو حتى إضافة أصدقاء جدد. ولتحقيق ذلك يعتمد موقع فايسبوك للتواصل الاجتماعي على مجموعة من الخوارزميات والتي تعرف على أنها مجموعة من التعليمات الدقيقة والمحددة التي تهدف إلى أداء وظيفة ما.
وتحدد هذه الخوارزميات لمستخدمي فايسبوك ما يرونه من تحديثات، أو تقترح لهم حسابات أشخاصٍ آخرين كأصدقاءٍ محتملين. حيث تعمل هذه الخوارزميات الخاصة على تتبع أنشطة مستخدمي المنصة وتفضيلاتهم، وما يجذبهم عندما يتصفحون الإنترنت، لتكّون صورة شاملةً عنهم فتعرض لهم ما يناسب اهتماماتهم.
وتعتبر خوارزمية (EdgeRank Score) واحدة من أهم الخوارزميات التي يعتمد عليها فايسبوك لإظهار الأحداث وترتيبها في صفحة آخر الأخبار للمستخدمين. حيث تستخدم هذه الخوارزمية عدداً من المؤشرات لحساب وترتيب الأحداث وفق ما يناسب اهتمامات المستخدم.
يركز المؤشر الأول على درجة الصلة بين منشئ التحديث ومستقبله، حيث يقوم فايسبوك بحساب درجات هذا العامل بناء على مدى تفاعل المستخدم مع التحديثات الناشئة من مستخدم آخر أو صديق أو صفحة. كما إنه يقوم بالمقارنة بين درجات تفاعل المستخدمين المختلفين ضمن الدائرة الاجتماعية الواحدة مع هذا التحديث على آخر الأخبار.
أما المؤشر الثاني الذي تعتمد عليه خوارزمية ترتيب الأحداث فهو يركز على ثقل أو وزن الحدث، حيث أن كل حدث ضمن الدائرة الاجتماعية له ثقل معين. فكتابة التعليق لها وزن أكبر من الإعجاب. ولكن في نفس الوقت يعتقد خبراء أن فايسبوك يقوم بتغيير ثقل النشاط أو الحدث ليعكس نوع التحديثات الأكثر اثارة حسب كل مستخدم.
ويعنى المؤشر الثالث بترتيب الأحداث بعامل الزمن فأي نشاط يتم عبر المنصة له عمر معين للاستمرار بالظهور ضمن أخر الاخبار.
هذه المؤشرات إضافة إلى مؤشرات وخوارزميات أخرى تحدد لمستخدمي فايسبوك ما يرونه ويتفاعلون معه. وذلك بالاعتماد كما ذكرنا سابقاً على المعلومات التي يقوم فايسبوك بجمعها طوال الوقت. مما يجعل فايسبوك مرآة تعكس شخصيات مستخدميه وتوجهاتهم الفكرية والاجتماعية والسياسية إلى حدٍ كبير.
يفاجأ العديد من مستخدمي منصة فايسبوكمن مدى دقة الاقتراحات التي يقوم فايسبوك بعرضها كأصدقاء محتملين أو أشخاص قد نعرفهم. هذه الاقتراحات التي تتسم بالغموض أحيانا تتم بناءً على خوارزمية تعمل على جمع وترتيب الاقتراحات.
ووفق فايسبوك تستند هذه الاقتراحات على تحليل مجموعة من العوامل والمؤشرات التي قد تتضمن عدد الأصدقاء المشتركين، الانتماء لذات الشبكات في العمل، التعليم أو المدينة أو الانضمام إلى مجموعات اجتماعية معينة بالإضافة إلى جهات الاتصال التي يتم استيرادها من خلال الهواتف الذكية والمرتبطة بالبريد الإلكتروني أو حسابات فايسبوك والعديد من العوامل الأخرى مثل الموقع الجغرافي.
وتهدف الخوارزميات التي يستخدمها فايسبوك إلى تزويد المستخدمين بتجربة أفضل حيث تعرض لهم ما يناسبهم، وتجمعهم مع أشخاص يتشاركون ذات الاهتمامات لكن قد يكون لذلك تأثيراته السلبية المحتملة في خلق انحياز غير مقصود تعمل عليه الخوارزميات، حيث تجعل المستخدمين ينظرون إلى ما يوافقون عليه فقط.
وفيما تأخذ النقاشات السياسية مساحةً واهتماماً كبيراً على ساحات التواصل الاجتماعي السوري، تعمل منصة فايسبوك على إتاحة المجال أمام الآراء المتنوعة للتفاعل والحوار.
ووفق استطلاع للرأي قام به راديو سوريات ضمن مشروع خالف تَعرف الذي يركز على تقبل الرأي الآخر لدى اليافعين على مواقع التواصل الاجتماعي، أفاد 84% من المشاركين في الاستطلاع أن وسائل التواصل الاجتماعي تمكنهم من التعبير عن رأيهم بحرّيّة.
لكن هذه المساحات الحرّة قد تتحول إلى ساحات معارك أو أدوات تفرق الآراء أكثر مما توحد بفضل الخوارزميات. حيث يؤكد 29% من المشاركين في ذات الاستطلاع أنهم قاموا بحظر مستخدمين آخرين بسبب الآراء والأفكار التي يتبنونها.
وبفضل خوارزميات فايسبوك التي ترتب ما يظهر من منشورات في خلاصات الأخبار للمستخدمين، بالإضافة إلى تلك المسؤولة عن اقتراح الصداقات، فقد يتحول فايسبوك إلى مرآة تعكس صورة المستخدم وما يوافق توجهاته فقط، أو إلى مجرد مساحة ضيقة مغلقة يتكرر فيها صدى الصوت ذاته إلى ما لا نهاية.