مدينة للثورة بطلاقي وأريد أولادي

كنت أعيش في دمشق مع زوجي وأطفالي. أنا أمّ لابنتين وولد، متزوجة من موظف مدني يعمل في إحدى القطع العسكرية في منطقة برزة. كانت حياتي الزوجية اشبه بالجحيم، مليئة بالألم والحزن والتوتر. بسبب معاملة زوجي السيئة لي ولأطفالي، فقد كان طوال فترة زواجنا يستخدم ضدنا التعنيف الجسدي واللفظي لأبسط الأسباب. هذه المعاملة سبّبت لي الكثير من الأمراض والعلل.

فكرتُ كثيراً برفع دعوى طلاق ضده، ولكنه كان يهددني بأنه سوف يقوم بكتابة تقرير بإخوتي الشباب بتهمة السلفية، وزجهم في سجن صيدنايا إذا لم أعدل عن فكرة الطلاق، كونه يمتلك القوة بسبب وظيفته مع الجيش. وذلك قبل الثورة.

ومع بدء الثورة أصبح الجيش الحر يهدد زوجي ورفاقه بالخطف إن لم ينشقوا عن الجيش السوري. ونفذ الجيش الحر تهديده لبعض من رفاق زوجي وخطفهم. هذا الأمر جعله يزداد توتراً، أصابه الخوف والرعب من الجيش الحر، وانعكس كلّ قلقه وخوفه على تصرفاته التي باتت لا تطاق. معي ومع أطفاله وكانت تزداد عنفاً وقسوة. بقيت طوال سنوات أتحمل معاملته من أجل أطفالي، ولكن مرضي ازداد ولم أستطع تحمله. فقررت الذهاب الى الطبيب فطلب مني اجراء عملية تنظير للكولون ولكن زوجي رفض الذهاب معي الى المشفى. أهلي منذ بداية الثورة انتقلوا للعيش في ريف إدلب، خوفاً من اعتقالهم بسبب نشاطهم السياسي. وبقيت وحيدةً بلا أهل أواجه مصيري مع أطفالي في دمشق، مع زوج متسلط كان يعتبرُ أهلي مصدر تهديد له. فذهبت إلى جارتي وطلبت منها الذهاب معي. وعندما عدت من المشفى لم ألق من زوجي الرعاية والاهتمام، بل متجاهلا مرضي ولم يكترث بي. وفي اليوم الثاني طلبت منه احضار الدواء من الصيدلية فأخذ الوصفة ولم يحضر الدواء .

كل ما جرى دفعني إل اتخاذ قرار طالما حلمت باتخاذه، فقررت في 2013 الهرب من بيتي الزوجي. وبعد خروج زوجي من البيت الى عمله خرجت مع اطفالي. وفعلاً أقمت أسبوعاً عند بيت والدة رفيقتي مها، ومرّ علي هذا الاسبوع كأنه سنة من كثرة المداهمات والاعتقالات في الحي الذي يوجد به بيت زوجي وبيت والدة رفيقتي. ولحسن الحظ لم يداهموا بيت والدة رفيقتي. ولكنهم داهموا بيت رفيقتي مها واعتقلوا زوجها وأحرقوا بيتها. وكان أيضا بيتها في نفس الحي. لم أستطع تحمل هذا الوضع الذي كان يزداد سوءا وتوترا ورعباً. أطفالي الذين كانوا يصابون بحالة ذعر كلّما سمعوا صوت الصراخ تحت التعذيب، وأصوات الرصاص التي تطلق من الحواجز. طوال فترة تواجدي في بيت والدة رفيقتي، لم يتوقف زوجي عن الاتصال بي على هاتفي الجوال، ويطلب مني العودة الى البيت. قلت له مراراً انني قد وصلت حمص في طريقي الى ريف إدلب. لا أستطيع العودة الى المنزل ولا أريد العودة. حتى يقطع الأمل مني ويكف عن البحث عني عند أقاربي ورفاقي.

وبعد اسبوع قررت السفر الى ريف إدلب، بالرغم من خوفي من المرور على حواجز النظام، بسبب تهديد زوجي لي برفع بطاقة بحث عني وعن أطفالي. وبقيت قلقه ومتوترة طوال فترة السفر من دمشق الى ريف ادلب. وعندما قطعت كل حواجز النظام تنهدتٌ تنهيدة الصعداء وشعرت بالطمأنينة.

وبعد وصولي ريف ادلب بدأت معاناة أخرى بالبحث عن علاج لابنتي الكبيرة وعمرها 11 سنة. كانت تعاني من نقص في هرمون النمو بسبب عدم افراز الغدة النخامية للهرمون. وبعد ان تأكدت أن الحصول على العلاج مستحيل إضافة إلى ارتفاع سعره في حال توفر، أصابتني حالة يأس، فقررت إرسال ابنتي الى دمشق لمتابعة علاجها الذي كانت تتلقاه في مشفى المجتهد. واستغلال إرسال ابنتي وابني مقابل الحصول على طلاقي بهذه الطريقة. كون تواجدي في المناطق المحررة وزوجي في مناطق النظام فحصلت على طلاقي .وعلى إثر ذلك ارسلت ابنتي الكبيرة مع اخيها الذي كان عمره 9 سنوات، لأبدأ حياة جديدة مع ابنتي الصغيرة وأهلي.

أم سورية تصطحب أطفالها لللاحتفال بذكرى انطلاقة الثورة. تصوير صلاح الأشقر
أم سورية تصطحب أطفالها لللاحتفال بذكرى انطلاقة الثورة. تصوير صلاح الأشقر

وبالرغم من ظروف الحرب القاسية والقصف، قررت البحث عن عمل للاعتماد على نفسي وتغطية مصاريف علاجي ومصاريف ابنتي الصغيرة. وبعد فترة من البحث وجدت عملا في مركز مزايا. وتابعت دورة في الكتابة الصحفية في المركز. واصبحت أعمل في مجال الإعلام. ومن هذه الانطلاقة كنت سعيدة وراضية، وراسلت بعض المواقع والمجلات الثورية، وكتبت عن معاناة المرأة وتناولت العديد من النقاط التي تؤثر على المرأة في ظل الثورة السورية في المناطق المحررة.

وبعد أن حققت حلمي في النجاح في عملي ،كل ما أتمناه الآن هو انتصار الثورة السورية، وأعود الى دمشق وألتقي بطفليّ الذي يعتصر قلبي شوقاً لهما، بعد الانقطاع عنهما لسنتين. موقف والدهما المعادي لي دفعه إلى أن يزرع في عقلسهما الصغيرين وقلبيهما الطاهرين كرهاً لي، متحججاً أمامهما بأني أرسلتهما وتخليت عنهما لأعيش حياتي.

 

شغف كرم (34 عاماً) من دمشق، مطلقة ولديها ٣ أولاد، تعمل الآن في مجال الإعلام بعد ان خضعت لدورة في الكتابةال صحفية على أمل الرجوع الى دمشق للالتقاء بولديها.