مدينة حلب بين الحرب والجوع
لينا الحكيم*
هنا في منطقة حلب الجديدة، التي تسيطر عليها الحكومة، ضمن شقةٍ غير صالحة للسكن، لا نوافذ، لا بلاط، لا كهرباء، لاشيء يشير إلى الحياة سوى طفلة تحبو على أرض غير مرصوفة، هنا تعيش عائلة أبو محمد، المكونة من شابين وثلاث بنات، الأب (45 عاماً) الذي كان المعيل لأسرته، يعاني اليوم من كسر في الظهر ويضع صفائح، كان مشرفاً على العمال في معمل نسيج، ومع توقف المعامل عن الإنتاج بات اليوم عاطلاً عن العمل. تعيش هذه العائلة على الأعمال المتفرقة التي يقوم بها الشابان، قد يعملان يوماً كحمّالين ويبقيان في اليوم التالي بلا عمل. الدخل الشهري في أفضل الحالات قد يصل إلى الخمسة آلاف ليرة سورية (33 دولار أمريكي)، وتعيش العائلة بشكل أساسي على المعونات التي تأتيهم من الجمعيات الخيرية، مثل جمعية “من أجل حلب” و”جمعية أهل الخير” و”الهيئة اليسوعية لخدمة اللاجئين- دير وارطان” التي تقدم حصص غذائية تتضمن المواد التي لا تتلف، لعدم وجود البراد في المنزل، كالأرز والعدس والبرغل وسواها من البقوليات، على الرغم من أنّ هذه الحصص لاتكفيهم الشهر، “نعيش كل يوم بيومه، بقدرة قادر” يقول محمد ابن الثامنة عشر عاماً.
أدى انهيار سعر صرف العملة السورية المستمر أمام الدولار الأميركي، الذي تخطى أخيراً عتبة المئتي ليرة، إلى ارتفاع أسعار السلع. كما أسفرت العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا عن صعوبة في تأمين المواد الأولية، ما أثر على حركة الإنتاج، وتعطل وسائل النقل والتوزيع بفعل تقطع السبل، إضافة إلى الدمار الذي لحق بالمعامل وهروب رؤوس الأموال، مما أدى إلى غياب فرص العمل. لمواجهة هذا الواقع بدأت الجمعيات الخيرية بمساعدة بعض العائلات حسب إمكانياتها، عبر قروض بسيطة ليتمكن بعض أفراد هذه العائلات من القيام ببعض الأعمال تسندهم لإعالة عوائلهم، كإفتتاح “بسطة” خضراوات أو تأمين بضاعة لإفتتاح محل تجاري “ميني ماركت” على أن يُسدد القرض خلال ستة أشهر بمبالغ رمزية أسبوعية.
ولكن مع امتداد زمن الأزمة وتحديدا في مدينة حلب، وزيادة الغلاء ونسب التسريح من الوظائف ونقص الدعم المادي، يبقى عمل الجمعيات الخيرية باهتاً لايستطيع تغطية كافة الحالات الأشد تضرراً ضمن المجتمع.
أبو حسن من حي السبيل كان يملك متجراً في حي بستان الزهرة، وبعد تعرض محله للقصف وبضاعته للسرقة لم يعد يملك أي مورد مالي ليعيل عائلته المؤلفة من أربعة أشخاص، الإعتماد على المدخرات وعلى ما يرسله ابنه حسن الذي يعمل في المملكة العربية السعودية بالحوالات المالية والتي تتوقف عن العمل مع انقطاع خدمات الانترنت من حين لآخر في المدينة، “سابقاً كنا نصرف دون تفكير فكان المال وفيراً، اليوم بتنا نحسب سعر اللقمة، لكننا أفضل حالاً من غيرنا” تقول ابنته المتطوعة في إحدى الجمعيات الخيرية.
الحياة لم تعد سهلة على كل الفئات الإجتماعية، فوائل ( 57 عاماً) موظف وزوجته ريم موظفان حكوميان يعيلان ست بنات، يبلغ دخلهما الشهري ثمانون ألف ليرة سورية ( 530 دولار أمريكي)، ليس حالهم أفضل من العائلات الأشد فقراً، فلا ينتهي الشهر دون أن تمتد اليد إلى المدخرات، مع التقشف المعيشي. “اختصرنا الوجبات الثلاث إلى وجبة غداء متأخرة، فقد باتت الأسعار تقصم الظهر من الغلاء”، تقول ريم
لا توجد عائلة في حلب لاتعاني من الوضع المعيشي الحالي، بات تأمين وجبة الطعام هاجساً يتجدد كل يوم، لدى مقارنة أسعار السلع الغذائية في المدينة قبل الأزمة وبعدها، فأسعار البرغل والعدس زادت من أربعين ليرة سورية إلى مئة ليرة للكيلو غرام الواحد والطحين من خمس وعشرين إلى خمس وتسعين ليرة للكيلو والأرز والسكر من ستين إلى مئة وعشرون ليرة للكيلو، أما الخبز فكان نصيبه من الارتفاع من خمس وعشرين ليرة إلى مئة ليرة لربطة الخبز الواحدة، مع نقصان عدد الأرغفة من الأربعة عشر رغيفاً إلى سبعة أو ثمانية ضمن الربطة الواحدة، مع فقدانه في بعض الأوقات واعتماد الخبز المنزلي عند البعض. وبالنسبة للخضروات فقد ارتفع سعر الكوسا من عشرين إلى خمسين ليرة والباذنجان من عشرين إلى مئة وخمس وعشرين ليرة أما البندورة فمن عشرين إلى سبعين ليرة بالمقارنة مع الموسم المنصرم، مع الإختلاف قليلاً في أسعار الخضروات من بائع إلى آخر.
أبو خالد (30 عاماً) وهو أب لطفل وحيد بعمر السنة، يبلغ مدخوله الشهري مع دخل زوجته خمسين ألف ليرة سورية (330 دولار أمريكي). يقول لدماسكوس بيورو “لاأدري كيف ما زلت بكامل قواي العقلية إلى اليوم، فمصروف خالد وتأمين متطلبات المنزل يقصر العمر”. فقد كان نصيب ارتفاع الأسعار لحفاضات الأطفال من أردأ الأنواع المتواجدة في السوق من عشرة ليرات إلى خمس وأربعون ليرة للحفاضة الواحدة، مع فقدان العديد من الأنواع المحلية في السوق وانتشار الأصناف التركية، أما الحليب المجفف فكان نصيبه من الغلاء من ستمئة ليرة للعلبة التي تحتوي على كيلوغرامين إلى 2500 وأحياناً 3000 ليرة للعلب سعة 900 غرام.
*لينا الحكيم هو اسم مستعار لصحافية تعيش داخل سوريا