مدينة الورد والحرية تدشن حراكها الجديد: تجمع حرائر داريا: لهذه الأسباب نحن هنا…
رزان زيتونة
حيثما كانت داريا، تكون الألوان. هكذا اعتدنا من هذه المدينة الطيبة التي لا تشبهها مدينة؛ منذ سنوات، منذ قالت كلمتها عام 2003، وفي الثورة، منذ بداياتها. هكذا كان حضور يحيى الشربجي ونبيل الشربجي وإسلام دباس وأسامة نصار والعشرات غيرهم من نشطاء داريا. هم من كانوا من ضمن قلة، تبنت بالتوازي النضال لأجل إسقاط النظام، لكن أيضاً لأجل مستقبل لا يشبه ماضينا المفعم بالكراهية والخوف والإقصاء واللامساواة. هم من أرادوها ثورة ضد تشوهاتنا كما هي ضد النظام الذي تسبب بمعظمها.
الأغلبية العظمى من الصفوف الأولى والثانية وربما الثالثة لهذا الحراك، جرى تغييبهم خلف القضبان. دوناً عن معظم معتقلي الثورة، معتقلو داريا لا يفرج عنهم بمرور الشهرين أو الثلاثة أو الأربعة. ليس عبثاً أن يكون لمرتكب الجرائم ضد الانسانية، جميل الحسن، زعيم فرع المخابرات الجوية الغارق في الدماء حتى أذنيه، ليس عبثاً أن يكون له ثأراً خاصاً مع نشطاء داريا، وما يمثلونه.
تغييب أولئك النشطاء قسراً ترك أثره على المدينة وألوانها، على خطابها وشعاراتها. لذلك كله، لم يكن تأسيس ”تجمع حرائر داريا“ مؤخرا حدثاً عابراً.
صبايا المدينة كنَّ في قلب الحدث دائماً. اليوم، قرر “تجمع حرائر داريا” الإنتقال خطوة جديدة إلى الأمام. هو حمل ثقيل، ومواجهة لا تنتهي، من أجل الاستمرار بالثورة زخماً وقوة، لكن في الوقت نفسه، مبادئ ورؤية للمستقبل.
في الصفحة التي أنشأنها على الفيسبوك مؤخراً، يحدد التجمع رسالته ”بالارتقاء بالمرأة السورية في جميع المجالات، “ويرسم أهدافه البعيدة ”بنشر ثقافة العدل بين الجنسين بما يراعي خصوصية ومكانة المرأة، ورفع نسبة مشاركتها في النشاط العام،“ ويحدد الأهداف المرحلية، ”بإقامة الدورات والندوات التوعوية واللقاءات المتواصلة مع نساء المدينة وتشجيعهن على المشاركة حسب الامكانيات المتاحة. “
حين قرأت التعريف للمرة الأولى، شعرت بخيبة أمل. ماتقوم به صبايا التجمع، أبعد وأعمق بكثير من أن يعبَّر عنه بكلمات روتينية تذكرنا بأدبيات الإتحاد النسائي البائد.
آسفني دائماً أنّ شباب وصبايا داريا لا يعبّرون كما يجب عن أنفسهم، وأن يتم اختصارهم بوصف ”ناشط لاعنفي“ أو ”ناشطة نسوية“، لا يوفي مايقومون به ولو جزءاً بسيطاً من حقه.
ومع ذلك، وعلى الصعيد الحركي، لا تلزمهم الأفكار ولا الإبداع المستمر ولا الإصرار الذي لا يقف شيء في مواجهته. فتشكيل تجمع مماثل يعمل للمستقبل، في خضم ثورة دامية، يحتاج للكثير من الشجاعة.
جمانة، إحدى ناشطات التجمع ومؤسِساته تقول في ذلك: ”بعد أن أثبتنا للناس مصداقيتنا وحسن نوايانا خلال سنة وثلاثة أشهر وبعد أن عملنا جاهدين على الأرض وبذلنا ما بوسعنا من أجل انجاح هذه الثورة، فالآن نستطيع أن ننشر ثقافتنا وأهدافنا ورؤيتنا لسوريا المستقبل متضمنة جميع النواحي (الإجتماعية والسياسية والثقافية). نحن نسعى أن تكون المرأة واعية ومدركة لحقوقها وحقوق غيرها في هذا الوطن. الثورة ثقافة، ونحن بحاجة لتنمية هذه الثقافة لإنجاحها. هدفنا هو إنجاح الثورة من أجل أن نعيش في وطن يتعايش فيه الجميع، وهذا الوطن الذي نحلم فيه لن يتحقق دون مشاركة نساء واعيات مثقفات. “
تقول جمانة إنّ ليس هناك فرق بين العمل التوعوي والعمل الثوري، نحن بحاجة للاثنين معاً. الثورة وحدها دون وجود وعي ورؤية حول المستقبل لا تكفي. والحماس الثوري دون الوعي والثقافة لايكفي.
وتؤكد أن إنشاء مثل هذا التجمع لم يكن ممكناً في وقت سابق، وقبل أن تثبت الصبايا وجودهنّ على الأرض، وقبل أن تدخل الثورة كل بيت من بيوت داريا.
فضلاً عن الإعتصامات والمظاهرات النسائية المتتالية، دخلت الصبايا بيوت داريا عبر العديد من الأنشطة الملونة، بأفكار قلّما تخطر بالبال: توزيع البيض الملون بعلم الإستقلال في عيد الفصح المجيد، وضع صور المعتقلين في علب بسكويت الأطفال، وغيرها الكثير، فضلاً عن أعمال الثورة” التقليدية“ من إغاثة للمنكوبين، ورعاية لذوي المعتقلين والشهداء، والمشاركة الفعالة في تحرير وتوزيع جريدة” عنب بلدي“الصادرة عن تنسيقية داريا.
أسالها عن علاقتهم كتجمع بتنسيقية داريا، ولماذا فضلن العمل المستقل عن واحدة من أولى تنسيقيات الثورة وأكثرها حضوراً.
تقول جمانة: ”نحن نعتبر أنفسنا من ضمن مجموعة تنسيقية داريا- لجان التنسيق المحلية، وعلى تواصل دائم مع التنسيقية وجميع أنشطتنا وأعمالنا تنشر على صفحتهم الرسمية. ولم يكن عملنا كصبايا مستقل عنهم على الإطلاق. منذ بداية الثورة، أعمالنا مشتركة مع شباب التنسيقية، وعلى تشاور دائم حول كل شيء. وتجمعنا ليس منفصلاً عن الشباب إلا بحدود اختصاصاته واهتماماته. هذا فضلاً عن أن التنسيقية مؤخراً لم تعد تغطي أنشطتنا كما يجب، فقررنا أن ننشئ صفحتنا الإعلامية الخاصة بنا “.
أخمن أنّ شيئاً من الإقصاء على الصعيد الالكتروني، يعني حتماً شيئاً من محاولات الإقصاء على الأرض، خاصة مع غياب وجوه الحراك الأساسية خلف القضبان، ومع الأخذ بالاعتبار أن مدينة داريا مدينة محافظة كسواها من مدن الريف الدمشقي.
تقول جمانة إن الأغلبية تؤيد نشاطهنّ في المدينة، لكن هناك بعض من” يعارضه “، وبشكل خاص، المظاهرات. فمن وجهة نظر ذلك” البعض“، يجب أن يقتصر نشاط الصبايا على الأعمال داخل المنزل وأن لا تتجاوز ذلك إلى الخروج إلى الشارع والتظاهر.
بعض من هذا”البعض “يتحجج بالخوف على الصبايا، وبعضه الآخر يتخوف من الحضور النسائي بحد ذاته، ومن”نشاطنا السياسي في المستقبل، فلا يريدون لنا أن نكون في هذا المجال على الإطلاق. “
من حسن الحظ، أنّ الجيش الحر ليس بعد الآن من ذلك “البعض” الرافض لهذا الحراك.”في البداية كان الجيش الحر في المدينة رافضاً لحراكنا، لكن مع الوقت ومع إصرارنا وطبيعة أنشطتنا أصبحت نظرته مختلفة تماما لنا. وبطبيعة الحال، فلا يوجد لدينا أي احتكاك كتجمع مع الجيش الحر الذي نرى لزوم دعمه ودوام العمل على توحيده وتنظيمه. “
في المحصلة، إنطلق التجمع، وأنشطته مستمرة. عروض مسرحية للأطفال حول الثورة، معارض صور، واعتصامات ومظاهرات كان آخرها قبل أيام في مظاهرة مشتركة بين صبايا داريا والسويداء.
الأهم من كل ذلك، هو الرسالة التي تحملها جميع تلك الأنشطة وذاك التجمع وصباياه. داريا لاتنضب أبداً، ومن قلب الألم المحيق بنا، تمنحنا دائماً أسبابا للتفاؤل، حين نرى فيها صورة سوريا التي نحلم بها.
حيثما كانت داريا، تكون الألوان. هكذا اعتدنا من هذه المدينة الطيبة التي لا تشبهها مدينة. ؛ منذ سنوات، منذ قالت كلمتها عام 2003. ، وفي الثورة، منذ بداياتها. هكذا كان حضور يحيى الشربجي ونبيل الشربجي واسلام وإسلام دباس وأسامة نصار والعشرات غيرهم من نشطاء داريا. هم من كانوا من ضمن قلة، تبنت بالتوازي النضال لأجل إسقاط النظام، لكن أيضاً لأجل مستقبل لا يشبه ماضينا المفعم بالكراهية والخوف والإقصاء واللامساواة. هم من أرادوها ثورة ضد تشوهاتنا كما هي ضد النظام الذي تسبب بمعظمها.