مدنيون تحت النار، بين التحرير والأحرار

ساحة معارك في سراقب بين هيئة تحرير الشام وحركة أحرار الشام الإسلامية تصوير أحمد عبيد

ساحة معارك في سراقب بين هيئة تحرير الشام وحركة أحرار الشام الإسلامية تصوير أحمد عبيد

"الشمال السوري وحتى اللحظة، يعيش أكثر أيامه توتراً منذ بداية الثورة السورية، في ظل هذا الصراع الذي يعتبر الأعنف بين كبرى الفصائل العسكرية فيه."

أحمد عبيد

إندلعت الإشتباكات بين هيئة تحرير الشام وحركة أحرار الشام الإسلامية في الشمال السوري يوم الثلاثاء 18 تموز/يوليو، واستُخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، الأمر الذي أدى إلى وقوع قتلى بين الطرفين، بالإضافة لسقوط ضحايا مدنيين بين قتلى وجرحى.

وشملت الاشتباكات معظم قرى جبل الزاوية في الريف الجنوبي لمحافظة إدلب، ومدن سرمدا وسراقب، إضافةً للمناطق الحدودية كالدانا وسلقين وحارم وباب الهوى وأطمة.

أم محمد (27 عاماً) تقول: “نعيش في مزرعتنا بين بلدة بينين وسرجة في جبل الزاوية انا وزوجي وبناتي الأربعة. في مساء يوم الأربعاء 19 تموز/يوليو، بدأت القذائف تتساقط على المنطقة إثر الصراع الدائر بين الفصائل، واندلعت الإشتباكات في صباح اليوم التالي، واستمرت نحو 8 ساعات”.

أم محمد تروي ما جرى: “كان صوت الرصاص يقترب من مزرعتنا شيئاً فشيئاً، فقرر زوجي إخراجنا إلى مكانٍ آمن، بواسطة دراجته النارية التي اعتدنا على ركوبها جميعا ولو بصعوبة بالغة. وفي منتصف الطريق قام أحد المسلحين المنتشرين بإطلاق النار بإتجاهنا، فنزلنا عن الدراجة النارية. وجلسنا بقرب شجرة ٍعلى جانب الطريق، ووقف زوجي مصطف ىرافعاً يديه، وراح يصرخ بأعلى صوته، الله أكبر، أنا مدني معي أطفال. لكن لم يجيبه أحد”.

وتضيف أم محمد: “ركب زوجي الدراجة ووضع طفلتين أمامه، فحملت الطفلتين الصغار و لحقت به، وقبل إعتلائي خلفه، قاموا بإطلاق الرصاص علينا، فسقط زوجي أرضاً. ورأيت الدماء تخرج من صدره ومن رأس شريفة (7 سنوات). كانت ميس (5 سنوات) تبكي وترتعش على الأرض، ظننتها تبكي على أبيها و أختها، ولكنها كانت مصابة أيضاً”.

تتابع أم محمد روايتها وهي تغص بالبكاء: “جاء بعض الشبان إلينا، أحدهم حمل إحدى الطفلتين عن يدي، والآخرين ذهبوا لإسعاف مصطفى والفتاتين. أخذوني إلى منزل لأرتاح مع طفلتيّ. وحين عادوا أخبروني بموت زوجي وابنتي شريفة، وأن ميس أصيبت بطلق ناري في العمود الفقري أدى إلى إصاباها بالشلل”.

توسعت مناطق الإشتباكات لتشمل مدينة سراقب التي خرج أهلها بمظاهرة شارك فيها أكثر من ألف شخصٍ من أبناء المدينة، مطالبةً بوقف الإقتتال و تحييد المدنيين عن هذا الصراع.

أحد أبناء سراقب ويدعى أبو سعد (24 عاماً) يقول: “توافد أهالي المدينة إلى الشوارع حيث كان يتواجد رتلٌ عسكري تابع لهيئة تحرير الشام الذي كان قد إقتحم المدينة، مطالبين بخروجه، وبتحييد سراقب عن الصراع الدائر، فقام أحد عناصر الهيئة بإطلاق الرصاص لتفريق المظاهرة، فسقط شهيدين وأصيب 5 من المتظاهرين”.

أضاف أبو سعد : “كان مصعب عزو أحد الذين خرجوا للتظاهر، فأصيب بعيارٍ ناري في صدره، قمنا بنقله إلى المشفى حيث فارق الحياة، واستمرت مظاهرتنا حوالي ساعة، حتى أجبرنا الرتل العسكري على الخروج من المدينة”.

يعتقد الأهالي أن السبب الرئيسي لهذا الصراع هو تبني حركة أحرار الشام الإسلامية لعلم الثورة السورية رسمياً ورفعه في معظم مدن الشمال. فيما عارضت هيئة تحرير الشام رفع هذا العلم و قامت برفع رايتها الرسمية في جميع ساحات مدينة إدلب.

ويؤكد الناطق الرسمي بإسم حركة أحرار الشام الإسلامية محمد أبو زيد في حوارٍ له بأن كل الإستفزازات التي أقدمت عليها هيئة تحرير الشام في الآونة الأخيرة كان هدفها السيطرة على معبر باب الهوى الحدودي، الذي يعتبر الشريان الوحيد للمناطق المحررة في إدلب.

بالمقابل أكد مدير العلاقات الإعلامية في هيئة تحرير الشام عماد الدين مجاهد أن الهيئة طلبت تسليم إدارة المعبر لجهةٍ مدنيةٍ مستقلة، الأمر الذي رفضته حركة أحرار الشام الإسلامية، مشيراً إلى وجود أسرى للهيئة محتجزين داخل المعبر.

ودارت إشتباكاتٌ عنيفة بين الطرفين بالقرب من المعبر، ليكون للمهجرين القاطنين في المخيمات الحدودية نصيباً من هذه المأساة أيضاً. وتم تسجيل أكثر من 20 إصابة في المخيمات، 6 في مخيم العاصِ، 3 في مخيم قرب قاح، كما أُصيبت عائلة بأكملها في مخيمٍ بالقرب من مخيمات الكرامة في أطمة.

حسام (29 عاماً) يقيم في بلدة قاح، يقول لحكايات سوريا: “يوم الخميس حوالي الساعة الثامنة مساءً سمعنا صوت إطلاق نارٍ كثيف في البلدة، فخرجنا لمعرفة مصدر الصوت، ليتبين أنه إشتباكٌ بالرشاشات الثقيلة بين حركة أحرار الشام وهيئة تحرير الشام بالقرب من مخيمات اللاجئين، وبعد ساعة من الإشتباكات أصيب ثلاثة شبان من اللاجئين بسبب الرمايات باتجاه المخيم، ولم نتمكن من نقلهم إلى المشفى إلا بعد إنخفاض وتيرة الإشتباكات بعد ساعتين تقريباً”.

طرحت مجموعةٌ من مشايخ و شرعيي الشمال السوري مبادرةً تنص على وقفٍ فوريٍ لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع المحتجزين لدى الفصيلين.

تم الإتفاق على المبادرة يوم الجمعة 21 تموز/يوليو، لكن الإشتباكات تجددت في اليوم التالي بالقرب من دوار المحراب في مدينة إدلب. واشتدت وتيرة الصراع لتندلع في مدن الأتارب ودارة عزة وجبل الشيخ بركات في ريف حلب الغربي.

وتتهم حركة أحرار الشام الإسلامية هيئة تحرير الشام بإستغلال التحركات العسكرية شمال حلب لمد نفوذها وسيطرتها في محافظة إدلب كافة، وهو ما تنفيه الأخيرة، كما تنفي سقوط أي قتيلٍ من المدنيين برصاص عناصرها.

بالرغم من الإتفاق على تطبيق المبادرة من جديد، إلا أن الشمال السوري وحتى اللحظة، يعيش أكثر أيامه توتراً منذ بداية الثورة السورية، في ظل هذا الصراع الذي يعتبر الأعنف بين كبرى الفصائل العسكرية فيه.